منذ صدمة تورط المرأة في تنظيم القاعدة قبل أعوام، بعد إعلان السلطات السعودية القبض على هيلة القصير، بدأت التحليلات والتساؤلات تطرح عن الدوافع والمسببات وراء انخراط المرأة في أعمال الإرهاب، لينفرط العقد مع مرور الأيام، ويظهر أن هيلة ليست الوحيدة. وأعاد إعلان وزارة الداخلية أول من أمس عن القبض على سعوديتين أثناء محاولاتهما الهرب عبر الحدود الجنوبية، مشاركة المرأة في التنظيمات الإرهابية إلى الواجهة، خصوصاً بعد نجاح تهريب أروى بغدادي وريما الجريش. هذا التوسع في الاعتماد على المرأة في التنظيمات الإرهابية، وإن كان محدوداً، يطرح الكثير من التساؤلات حول التأثيرات ونسبة الوعي لدى المرأة لاختيار الوقوف على إحدى ضفتي الإرهاب، إما بالانخراط تنظيمياً أو بالبراءة والاصطفاف في الصف الوطني. من جهته، أكدت عضو اللجنة الأمنية في مجلس الشورى السعودي الدكتورة ثريا العريض تأثر بعض النساء بتصاعد تيارات الأدلجة والتشدد والتفكير والتنظيم الإرهابي، وعزت ذلك إلى «تغيرات اقتصادية ومجتمعية متراكمة أثرت في تحريف قيم وأعراف شرائح من المجتمع، وشجعت على تهميش بعض الفئات، ومنها فئة النساء، خصوصاً الشابات المتعلمات والراغبات في تحقيق طموحاتهن وإبراز قدراتهن الفردية». وأشارت إلى أن القيادة السعودية والأجهزة المسؤولة عن الأمن كانت في منتهى التفهم، خصوصاً في التعامل مع الشباب المغرر بهم والمضللين، وتعاملت معهم برفق أبوي عبر برنامج المناصحة، «على رغم أن نسبة منهم خذلت الرغبة الأبوية بالإصرار على السير في طريق الإرهاب، والعودة إلى عضوية التنظيمات بعد المناصحة والإفراج عنهم والرجوع لما كانوا عليه». وقالت: «انتكاس المغرر بهم بعد المناصحة مؤلم، ولكنه خبرة تعلمنا منها كمجتمع وقيادة، أنه يجب أن نطور طريقة التعامل مع هؤلاء المصرين على رفض الانتماء للوطن بطريقة أكثر فعالية، وحماية له وللغالبية». وأشارت العريّض إلى اهتمامها بدور المرأة في الأمن الوطني، وقالت إنها خلال مشاركتها التي طُرحت في «المؤتمر الثاني للأمن الوطني والاستراتيجي في دول مجلس التعاون.. رؤية من الداخل»، الذي أقيم في البحرين قبل أسبوعين، أوضحت أن الدور الأمني للمرأة دور كامل كمواطنة لها كأي مواطن حقوق ومسؤوليات، بغض النظر عن كونها امرأة، ولها إمكان العمل كموظفة بعد التدريب والتأهيل للعمل في حماية الأمن وأنظمة الحراسة عند المنافذ، ونظم المعلومات، ولها دور محوري أيضا كأم، فهي التي تنشئ أبناءها وبالتالي تضع أسس ومبادئ وقيم الجيل المقبل». وعزت العريّض انضمام المرأة إلى الجماعات والتنظيمات الإرهابية إلى «عدم شعورها بالاستقرار أو إحساسها بالاضطهاد أو المعاناة أو شعورها بالدونية إذا لم تحصل على مواقع قيادية تبرزها كالتي تحصل أو تشعر بها خلال انضمامها لهذه الجماعات». وأضافت: «المرأة بغريزتها وفطرتها تحب وتميل إلى الاستقرار، ومن جانب آخر هي مسؤولة عن توعية أبنائها في ما يتعلق بالأمن وشعورهم بالمواطنة، فإذا لم يتحقق الاستقرار لن تتم توعية الجيل والأطفال بالمواطنة، وضعف شعورها الداخلي بالانتماء»، مستطردة: «هذا ينطبق على الرجل أيضاً». وأضافت: «هذا الشعور يستغله المغرضون المؤدلجون والمسيسون، فينجحون في استقطاب المرأة، خصوصاً تلك التي تملك طموحاً وهمة وشجاعة، تتحول إلى تهور يهدد أمنها وأسرتها والوطن». وتابعت: «إن المواطنين والمواطنات الذين يشعرون بالسخط نتيجة لما يشعرون به من نقص الحماية والاهتمام، يكونون طعماً سهلاً لمن لديهم أغراض وأطماع، سواء كانوا داخل البلد من المجتمع القريب كالمجتمع المتظلل بشعارات وتفسيرات متحيزة، أم أنهم مجتمع بعيد يحاول أن يسخّر من هم داخل الوطن لخدمة أغراضه، وكلها جهات تتصارع للوصول إلى الهيمنة السياسية أو الاقتصادية». واعتبرت أن الطريقة الوحيدة لمنع وقوع فئة من المواطنين في دائرة الاجتذاب وتحويل الانتماء ب«تصحيح الأوضاع المتحيزة، وأن نزيل معاناتهم لكي نعيد إليهم الشعور بالانتماء»، مشيرة إلى أن القيادة السعودية بدأت فعلاً بالعمل في هذا الاتجاه «وهي الوجهة الصحيحة لأن المرأة هي من تزرع المواطنة في نفوس أبنائها، وإذا فقدت الشعور بالرضا والأمن في حياتها الخاصة، تصبح سهلة الاستجابة للمؤثرات المحرضة ضد المواطَنة». واستبعدت القدرة على التكهن بعدد النساء المنضمات إلى التنظيمات الإرهابية «السرية»، وإن كان من الممكن أن نتلمس مدى تصاعد التيار المتطرف بكثرة في التجمعات المتسمة بالتشدد داخل وخارج الوطن. وتوقعت أن القرارات الحازمة التي أعلنتها القيادة أخيراً بتجريم الانضمام إلى التنظيمات أو دعمها بأي طريقة مادية أو معنوية ستقلص من نشاط هذه الفئة في صورة واضحة.