تنظيم «أنصار بيت المقدس» في سيناء يعتبر أول تنظيم إرهابي يحارب كل رؤساء مصر وحكوماتها بلا استثناء، بدءاً من حسني مبارك وحتى عبدالفتاح السيسي مروراً بمحمد حسين طنطاوي ومحمد مرسي وعدلي منصور، ففي عهد مبارك قام متطرفو سيناء بأول 3 تفجيرات في تاريخ مصر، تحديداً في ذهب وطابا ونويبع، ثم بأكبر تفجير في تاريخها وهو تفجير شرم الشيخ عام 2005. وفي عهد طنطاوي والمجلس العسكري قاموا بعشرات العمليات، منها احتلال أحد أقسام العريش ورفع علم القاعدة عليه، و12 تفجيراً لأنبوب الغاز مع إسرائيل، وخطف وقتل جنود شرطة في سيناء، فضلاً عن عشرات العمليات الأخرى، منها القصف المتكرر لقسم ثالث العريش. وفي عهد مرسي قاموا بأسوأ مذبحة وهي «رفح الأولى»، وفي عهد عدلي منصور قاموا ب «مذبحة رفح الثانية» ومذبحة «عمال أسمنت العريش». وفي عهد السيسي كانت حصيلة تفجيراتهم واغتيالاتهم أكثر وأكثر سواءً في سيناء أو خارجها، أشهرها تفجيرات مديريات أمن جنوبسيناء، والقاهرة والدقهلية وعمليتي الفرافرة (1) و(2)، وتفجير بعض مباني الاستخبارات الحربية في سيناء وعمليات نوعية أخرى مثل كرم القداديس. والخلاصة أن التنظيم كان يكفر ويعادي كل حكام مصر بمن فيهم مرسي، ولكن، كل بدرجته. ونجحت وزارة الداخلية في عهد مبارك في القضاء تماماً على التنظيم أواخر 2005، وفي قتل وسجن معظم قادته، وحكم على بعضهم بالإعدام والمؤبد، لكن هروب هؤلاء القادة من السجن ومعهم بعض التنظيمات التكفيرية التي تحالفت معهم في المعتقل، وعودتهم إلى سيناء التي عانت من فراغ أمني كامل عقب ثورة 25 كانون الثاني (يناير) مع انهيار الشرطة المصرية تماماً وقتها وحالة السيولة الكبرى في كل شيء، فضلاً عن السيولة التي أصابت الحركة الإسلامية، واختلاط كل الفصائل ببعضها البعض، ونجاح التنظيم في جذب مئات الشباب من «حركة حازمون»، وانفتاح الحدود مع ليبيا وغزة، وإقامة ثلاثة معسكرات تدريبية له في الشيخ زويّد ورفح تحت سمع الجميع وبصرهم، وذهاب الكثير من أفراد التنظيم للتدريب الراقي في سورية. كل ذلك هو الذي أعطى قبلة الحياة ل «داعش» ليعود في منتهى الشراسة والقوة. هو التنظيم الوحيد في تاريخ مصر الذي امتلك أسلحة مضادة للطائرات وأسقط طائرات خاصة في فترة الفراغ الأمني، والوحيد الذي امتلك أسلحة وألغاماً مضادة للمدرعات وفجر مدرّعات عدة، وقد حصل على هذه الأسلحة الحديثة من طريق أسلحة الجيش الليبي الحديثة التي وصل معظمها إلى مصر بعد انفتاح الحدود الغربية. وهو التنظيم الوحيد في تاريخ مصر الذي تمتع بكفاءة عسكرية جيدة إذ حصل أفراده على التدريب من طريق مدرّبين في أعلى مستوى، جاءوا من كل مكان حينما كانت مصر مفتوحة براً وبحراً وجواً لكل من هب ودب، فضلاً عن ذهاب مجموعات من التنظيم إلى سورية، حيث تدربوا على أحدث الأسلحة والتكتيكات، وقد فقد التنظيم اليوم معظم أسلحته، والكثير من قادته وأفراده وحوصر حصاراً كبيراً بعد مواجهات عنيفة وقوية مع الجيش المصري وانكمش جغرافياً وواقعياً وتنظيمياً. وهو التنظيم الوحيد في تاريخ مصر الذي يحوي مجموعة كبيرة «من المساجين الجنائيين» الفارين من العدالة، وعدداً من تجار المخدرات وتجار الأسلحة ومهربي الممنوعات، وغيرهم ممن يسمون في مصر «المطاريد»، إذ تجمعهم مصلحة واحدة، هي عدم بسط الدولة سيادتها على هذه المنطقة الجبلية الوعرة من مثلث رفح الشيخ زويد- العريش- جبل الحلال، وإلا ضاع آخر معاقلهم. وهو أيضاً التنظيم الوحيد الذي اصطدم بالجيش المصري حيث كانت كل عداءات التنظيمات السابقة وخصوماتها مع الشرطة المصرية فقط، وقد دشنت مذبحة رفح الأولى في عهد مرسي ذلك الاصطدام المروع بين التنظيم والجيش، فقد قتلوا 16 جندياً مصرياً في لحظة إنسانية ودينية دقيقة هي لحظة إفطار الجنود وقت المغرب، وقاموا بإطلاق النار بعد ذلك على الجرحى، في سابقة همجية غير مسبوقة. «داعش سيناء» هو التنظيم الوحيد في تاريخ مصر الذي له اسم في كل مرحلة من مراحله، وله تبعية وعدو وقيادة مختلفة، فقد كان اسمه في عهد مبارك أثناء مرحلة التأسيس والتكوين «التوحيد والجهاد»، وكان تنظيماً محلياً يميل إلى فكر تنظيم «الجهاد المصري» ويقوده خالد مساعد، وكان هدفه قتل السياح الإسرائيليين. وبعد الثورة تأثر بأفكار تنظيم تكفيري غزّاوي اسمه «أنصار بيت المقدس» وتدرّب على يد بعض قادة هذا التنظيم الغزاوي، فتغيّر اسمه إلى «أنصار بيت المقدس» وبايع «القاعدة» وزعيمها أيمن الظواهري. وكان يسعى لتكرار فكر «القاعدة» في أفغانستان، وخصوصاً الانطلاق من بيشاور الباكستانية كقاعدة لشن هجمات على القوات السوفياتية في أفغانستان واستغلال الأمان الذي تحظى به بيشاور. وأراد تكرار الفكرة في مثلث رفح العريش الشيخ زويد للانطلاق من هذا المثلث (بيشاور المصرية) نحو الداخل المصري تارة أو الحدود الإسرائيلية تارة أخرى. وكانت تقود التنظيم وقتها عائلة أبوشيته التي تنحدر من إحدى القبائل السيناوية الشمالية، وتدفّقت فيه وقتها دماء جديدة من تكفيري الدلتا والقاهرة وأنصار حازم أبوإسماعيل، وكان في مرحلته الأولى سيناوياً خالصاً ليس فيه فرد واحد من القاهرة أو الدلتا. أما في مرحلته الثالثة فتغيّر اسمه إلى «الدولة الإسلامية- ولاية سيناء» أو «داعش سيناء»، وفيها انبهر قادة التنظيم ب «داعش» في مرحلة أسمّيها دوماً «الانبهار الكاذب قبل الانهيار الكامل»، وهذه حدثت مع كثيرين بعد نجاح «القاعدة» في تدمير بُرجيْ التجارة العالمية، وفيها تخلى التنظيم عن بيعته للظواهري، وبايع أبو بكر البغدادي، وقوبل ذلك بمعارضة من بعض القادة، لكن سرعان ما تم التغلب عليها. أما خصوم التنظيم في هذه المرحلة، فكان الجميع بلا استثناء الشرطة، الجيش، الاستخبارات الحربية، القبائل، حزب النور، وأضيف إليهم المسيحيون، حيث وجد التنظيم فيهم هدفاً رخواً ، فبدأ في استهداف مسيحيي العريش في البداية ثم الكنائس في القاهرة الكبرى والدلتا. وهو أول تنظيم يستهدف الكنائس في مصر بالتفجيرات، وأعتقد أن بعض خلاياه التي كانت كامنة هي التي فجرت كنيسة القديسين 2010، ثأراً لمقتل معظم قادتهم في عام 2005، وقد اعتاد تفجير الكنائس قرب أعياد المسيحيين من دون مراعاة لتعاليم الإسلام التي تنص على حرية العقيدة والعبادة من جهة وحرمة قتل المدنيين من جهة أخرى وعلى وجوب حماية الكنائس والمساجد معاً، فضلاً عن قتله ثمانية مسيحيين من منطقة العريش ما أدى إلى إجلاء مسيحيي العريش إلى مدن القناة. وهو أول تنظيم إرهابي يقوم بقتل قيادات إسلامية أخرى ويكفّرها، ومثال ذلك قتلهم الأمين العام لحزب النور في العريش. وأول تنظيم إرهابي يقتل 23 من زعماء القبائل في سيناء، ويقتل قرابة 100 شاب سيناوي مسلم بطرق بشعة، ومعظمهم من أبناء القبائل، بحجة سخيفة واهية هي التعاون مع الجيش والشرطة. وهو أول تنظيم إرهابي تجتمع عليه كل قبائل سيناء، وتهدر قبيلة الترابين دماء أفراده، لأنه قتل زعيمها وابن زعيمها، وفجر منزل أحد قادتها بعد إخراج النساء والأطفال منه، في سوابق فريدة لم يعهدها المجتمع السيناوي القبلي. كما قام التنظيم بقتل امرأة سيناوية بالحجة ذاتها، وهذا لم يحدث في تاريخ القبائل السيناوية. وهو أول تنظيم مصري تؤدي عملياته إلى لجوء الدولة المصرية إلى هدم المنازل الحدودية بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية وإقامة سياج أمني وبحري مائي ملغوم يفصل بينهما، لمنع إقامة أنفاق تحتها تهرب الأسلحة والأفراد، حيث كان التنظيم يقوم بعملياته ثم يذهب إلى غزة ثم يعود فيضرب، وهكذا، إن طُلب في غزة أتى إلى مصر، وإن طُلب في مصر ذهب إلى غزة. أول تنظيم مصري تغلب عليه البداوة ويقل فيه خريجو الجامعة والعلماء، وليست له أدبيات خاصة ولا أهداف محددة من كل عملية. ولولا قبلة الحياة التي أعطاها «حازمون» للتنظيم في فترة الانهيار الأمني لم تكن لتجد فيه سوى أعداد قليلة من خريجي الجامعات، والباقون حائزون على ديبلومات متوسطة وإعدادية، والأكثرية من الأميين. وفكر التنظيم عبارة عن كلمتين «التكفير والتفجير»، ومساحات تكفيره وعداءاته أوسع المساحات قاطبة، أي «سوبر تكفير»، وتختلف حدة التكفير والتفجير لديه من مرحلة إلى أخرى. * قيادي سابق في «الجماعة الإسلامية» في مصر