ثار الكثير من الأسئلة حول لائحة النشر الإلكتروني الجديدة المطروحة من وزارة الإعلام السعودية منذ شهور عدة لوجود نظام عام للمطبوعات والنشر – على رغم التحفظات المعروفة عليه - الذي يمكن استخدامه كمظلة عامة لكل أنواع النشر، من دون حاجة الى لوائح جديدة غامضة. وأناقش في هذا المقال أهداف اللائحة الجديدة لا غير، بعيداً من تفاصيل أخرى، كشرعية الوزارة كجهة تنفيذية لوضع التشريعات واللوائح، أو غموض العقوبات والاستثناءات الواردة في اللائحة، أو مدى مناسبة فكرة الترخيص للمواقع الاجتماعية، ك «الفايسبوك» و»تويتر» المستخدمة بشكل كبير في السعودية. وأشير بداية إلى الفقرة الأهم في رأيي في اللائحة، وهي المادة 13 التي تنصّ على عدم التزام الوزارة بالرقابة على النشر، حيث تقع مسؤولية الرقابة على محتوى النشر على الناشرين أنفسهم. هذا يستبعد تماماً وجود نية الرقابة لدى الوزارة، وهو أمر مفهوم لكل متابع، فوسائل مراقبة النشر الإلكتروني بواسطة برامج خاصة تقوم بفحص الفضاء الإلكتروني دورياً، وإبراز كل ما يخالف قوانين النشر والمستخدمة عادة بواسطة الأجهزة الرسمية في كل الدول تقريباً، يمكن لها ببساطة أن تنوب عن الوزارة في هذه المهمة الرقابية، كما يشهد على ذلك عدد المواقع المحجوبة في المملكة حتى في غياب التراخيص. الهدف الأول في اللائحة هو دعم الإعلام الإلكتروني الهادف، ولا يلزم لذلك – بحسب تعريف الإعلام الهادف المقصود – أن تقرّ الوزارة أي موقع أو توافق على رؤساء تحرير الصحف الإلكترونية. أول خطوة لدعم الإعلام الهادف هي في منح المجال الكافي لجميع الآراء للعصف الفكري الحر والنقاش غير المقنن، حتى يجد كل رأي ما يقويه أو يبرز عيوبه، كما يفترض أن الوزارة معنية بالترخيص كجهة تأديبية مرجعية للإعلام الهادف، ما يدعم الاعتقاد بعدم وجود رقابة ذاتية لدى الناشرين في الفضاء الإلكتروني، وأن الحصول على الترخيص هو الضمان لذلك، وهو افتراض ساذج حقيقة. الهدف الثاني هو حماية المجتمع من الممارسات الخاطئة، ولا يحتاج بالمثل لترخيص، فالفضاء الإلكتروني بداية لا يعمل بمبدأ الملفات الخضراء العلاقية التي تعمل بها مؤسساتنا الرسمية، ولا يتطلب في الحقيقة إثباتات حسن السير والسلوك والحصول على تأهيل دراسي لمرحلة الثانوية العامة لاستخدامه، فهو عالم قابل لاستخدامه من كل شخص يستطيع ذلك بلا اختبارات قياس، أما رقابة الحجب والمنع بحسب المخالَفة والمخالِفة للمادة 13 من اللائحة فهي أيضاً مكفولة باتفاقات الاستخدام الرسمية في كل موقع إلكتروني، كما أنها مرصودة في بلاد العالم على الأغلب بواسطة شرطة خاصة لتعقب المخالفات من هذا النوع، إلى أن قررت الوزارة لعب دور شرطة الانترنت هنا بأسلوب فريد من نوعه. الهدف الثالث هو بيان حقوق وواجبات العاملين في النشر الإلكتروني، وهي في الحقيقة وظيفة غريبة للغاية لأنها تعني أن تكتب الوزارة توصيفاً رسمياً وظيفياً خاصاً يناسب مئات الآلاف من الأهداف التي تدعو إلى استخدام الفضاء الافتراضي، بما فيها إرسال رسائل إلى مجموعات بريدية، كما تفي أيضاً اتفاقات الاستخدام الالكترونية ببيان تعليمات الاستخدام وإلغاء الحاجة لهذا الهدف، وهناك هدف حفظ الحقوق في إنشاء وتسجيل أي شكل من أشكال النشر الإلكتروني، وتتكفل به هنا أيضاً الشركات والمواقع الإلكترونية التي تقدم تلك الخدمات بلا أي داعٍ إلى أن تجهد الوزارة نفسها في إعداد عقود ملكية، هذا بالإضافة إلى أن الوزارة لا تملك بداية الفضاء الافتراضي لمنح حقوق الملكية أو الحفاظ عليها بأي شكل، وهناك هدف حفظ حقوق الأشخاص في الدعوى لدى الإدارة المعنية في حال الشكوى، وهو أيضاً طلب يمكن تقديمه مباشرة الى المسؤولين عن استضافة الموقع الإلكتروني بنجاح كبير والوصول إلى المخالفين بلا تراخيص وبواسطة وسائل الرصد الحكومية الخاصة السابق ذكرها، وهناك هدف تذكر فيه الوزارة رغبتها في دعم ورعاية المواقع الإلكترونية والعاملين فيها بتقديم تسهيلات تساعدهم على القيام بعملهم، وهي تبدو لي مهمة إنسانية، لكن تقع في نطاق وزارة التربية والتعليم أو وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن غير المنطقي أن يصبح هدف الوزارة من إصدار تراخيص استخدام الفضاء الإلكتروني هو طرح أجوبة عن الأسئلة الأكثر شيوعاً لاستخدام الفضاء الإلكتروني أو عمل دورات أو تخصيص خط فني ساخن لدعم الاستخدام، ولأن أيّاً من هذه الأهداف لا يوضح حاجة حقيقية لطلب ترخيص، فهناك بالتأكيد هدف ما أو أهداف غامضة لم تذكرها الوزارة بالتفصيل، ويبدو أن أحداً في الوزارة لا يعتقد بعد بتطور وسائل استخدام النشر الإلكتروني وتجاوز العوائق الرسمية حتى في دول شمولية صارمة مثل الصين، التي تفرض عزلاً عاماً لمواقع التواصل الاجتماعي عن قاطنيها كافة في بعض الأحيان. سياسات المنع والتقنين لا تؤدي في الحقيقة سوى إلى تشجيع استخدام وسائل عبور بديلة بأي طريقة كانت، ووضع قوانين غير منطقية يضمن بالتأكيد عدم اتباعها. كان يمكن الاكتفاء هنا بوضع ضوابط عامة كما هو حادث الآن للاستخدام وتعقب الشكاوى والمخالفات بما لا يتعارض مع مادة الرقابة الواردة في اللائحة، وقد تفضل عبدالرحمن الهزاع من وزارة الإعلام مشكوراً بكتابة مقال توضيحي لمن التبس عليهم الأمر، نشر بتاريخ الثلثاء 4 كانون الثاني (يناير) في صحيفة «عكاظ». ملخص المقال - على قدر ما فهمت - هو أن اللائحة الجديدة تهدف أولاً إلى فتح التواصل مع الوزارة، وهي ثانياً خريطة طريق، وهي ثالثاً تأكيد لمبدأ مسؤولية الكلمة التي أكد عليها خادم الحرمين الشريفين في خطاب مقتبس لمجلس الشورى. وبما أن السيد الهزاع فسر الماء بعد الجهد بالماء، وبما أني، كمستخدمة للفضاء الإلكتروني بأشكاله كافة، أستطيع تبين طريقي بلا خريطة خاصة مصممة من الوزارة، كما الملايين سواي، وبما أنني لم أدرك بعد ما العلاقة بين مسؤولية الكلمة وبين تنصيب مسؤولي الوزارة أنفسهم كمفتشي عبور على مستخدمي الفضاء الإلكتروني، إلا إذا افترضنا أنهم أكثر أخلاقية أو وعياً بمسؤولية الكلمة للترخيص لملايين المستخدمين، وهو ما لم يثبت حتى الآن، فيبقى الهدف المفهوم، كما أوضح السيد الهزاع، هو التواصل مع الوزارة، فتواصلوا رعاكم الله. * كاتبة سعودية [email protected]