بعد مرور ثلاثة شهور فقط على الاستفتاء الشعبي على تعديلات دستورية ركّزت على تغيير بنية القضاء في تركيا في شكل يرتقي به الى مستوى الاتحاد الأوروبي، بحسب حكومة «حزب العدالة والتنمية»، يواجه القضاء في تركيا أزمة حادة بعد تطبيق أحد الإصلاحات التي أقرتها الحكومة، ويقضي بإطلاق كلّ من يقضي عشر سنوات في السجن ولم تثبّت محاكم الاستئناف الحكم عليه في شكل نهائي. وأدى ذلك إلى إطلاق تسعة من أهم قيادات «حزب الله» الكردي، المسؤول عن قتل عشرات المثقفين الأتراك وزعماء بارزين في المافيا في تركيا. ورغم صدور أحكام بسجن هؤلاء في المحاكم الابتدائية قبل سنوات، إلا أن تأخر محاكم الاستئناف في تثبيت تلك الأحكام، أفسح المجال أمام هؤلاء للخروج المشروط من السجن ومتابعة قضاياهم في محاكم الاستئناف خارج جدران السجن. وأثار مشهد استقبال قيادات «حزب الله» لدى خروجها من السجن، في احتفال كبير أعدّه عناصر الحزب وتحوّل إلى استعراض عضلات وقوة، الرأي العام وأحزاب المعارضة في تركيا وأهالي ضحايا الحزب، وطالب الجميع الحكومة بتدارك الأمر وتعديل القانون مجدداً، لمنع خروج مزيد منهم من السجن. لكن وزير العدل سعد الله أرغيل ألقى باللوم على محاكم الاستئناف التي اعتبر أنها لم تسارع في حسم هذه القضايا التي تهمّ الرأي العام، على رغم علمها بقرب تطبيق هذا التعديل. في المقابل، أكد قضاة في محاكم الاستئناف أن نحو 1.5 مليون قضية ما زالت تنتظر أمام محاكمهم، مشيرين الى أن عدد قضاة الاستئناف لا يتجاوز 250 قاضياً، ما يجعل قضايا كثيرة تنتظر حتى عشر سنوات أو أكثر، قبل النظر فيها. واتهم هؤلاء الحكومة التي أرجأت أكثر من مرة معالجة ملف القضاء وإعادة اصلاحه وتأهيله، مكتفية بتغيير تركيبة الهيئة العليا للقضاء، للتخلص من القضاة الأتاتوركيين، كما تؤكد المعارضة. وكانت الحكومة عمدت الى تعديل قانون الأحكام لمصلحة الإفراج عن السجناء بعد عشر سنوات، لتلافي مزيد من الأحكام ضدها في محكمة حقوق الانسان الأوروبية التي يتظلّم لديها مئات الأتراك الذين يُسجنون لفترة طويلة أثناء محاكماتهم، ثم تثبت براءتهم أو يُحكمون بالسجن لمدد أقل من تلك التي قضوها فعلاً في السجن، في انتظار انتهاء المحاكمة التي تمتد سنوات. وفي هذا الإطار، يقول رضا تركمان القاضي السابق في محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، إن الحكومة اعتمدت أسلوباً خاطئاً في معالجة هذه المسألة، اذ بدلاً من إعادة النظر في النظام القضائي والعمل على تسريع النظر في القضايا والحكم فيها، لجأت الى إطلاق المساجين في شكل زاد من تعقيد المشكلة. وأضاف أن مدة عشر سنوات طويلة أيضاً بالنسبة الى معايير الاتحاد الأوروبي، مشيراً الى انها لن تخفّف من عدد القضايا التي ستُرفع ضد تركيا مجدداً في المحكمة الأوروبية التي تعتبر أن المدة القصوى لحسم القضايا العادية والجنائية يجب أن تكون ثلاث سنوات فقط. وكشفت هذه الإفراجات عن مدى تنامي قوة «حزب الله» الكردي في صمت خلال السنوات العشر الأخيرة، بعدما اعتقد الجميع بالقضاء عليه اثر اعتقال قياداته العام 1999. وكشفت قناة «أن تي في» الإخبارية التركية أن للحزب مئات الجمعيات والمراكز الاجتماعية وعشرات آلاف الأتباع، لكنها شككت في وجود جناح مسلح له الآن. وثمة اعتقاد في تركيا بأن أجهزة الأمن والاستخبارات هي التي شكّلت أو ساندت على الأقل إنشاء «حزب الله» في ثمانينات القرن العشرين، ليكون حزباً كردياً إسلامياً يقاتل ضد «حزب العمال الكردستاني» الماركسي المحظور جنوب شرقي تركيا. لكن الحزب خرج عن السيطرة وتحوّل حزباً مسلحاً يسعى الى اقامة دولة إسلامية في تركيا.