حرص رئيس المجلس الدستوري عصام سليمان خلال مؤتمر صحافي عقده امس، في مقر المجلس لإعلان صدور «كتاب المجلس الدستوري السنوي 2009 - 2010»، على التذكير بدور المجلس في ظل «الصراعات السياسية» الدائرة في لبنان، والتي اكد أن المجلس «وضعها جانباً ورفض التأثر بها وبالانتماءات الضيقة». كما أكد الوقوف على مسافة واحدة من كل الفرقاء، صوناً لاستقلالية المجلس الدستوري وتعزيزه. وشدد سليمان على أن المجلس «حامي الضمانات الدستورية للحقوق والحريات، وفي طليعتها حرية الإعلام المسؤول، والتواصل مع الرأي العام، لأن من حق المواطن الإطلاع على واقع المجلس الدستوري». وعاد إلى «الأسباب التي أملت قيام المجلس الدستوري في النظام السياسي اللبناني والتي تفوق تلك التي استدعت نشوء المحاكم والمجالس الدستورية في الأنظمة الأخرى». وقال: «إذا كان لا بد من مرجعية دستورية يتم اللجوء إليها من أجل انتظام التشريع في إطار نصوص الدستور والمبادئ ذات القيمة الدستورية، والفصل في صحة الانتخابات الرئاسية والنيابية، فإن مبررات وجود هذه المرجعية في لبنان أهم بكثير من تلك القائمة في غيره من الدول، لأن لنظامنا السياسي خصوصية تستوجب وجود ضوابط لأداء مؤسساته الدستورية. وتتلخص بقيام نظامنا البرلماني على أساس المشاركة الطائفية في السلطة، والمواءمة بين مبادئ الأنظمة البرلمانية وقواعدها ومتطلبات هذه المشاركة، في إطار معادلة دقيقة وحساسة، تميل الممارسة السياسية في إطارها إلى الجنوح في اتجاه تغليب المشاركة الطائفية على المبادئ والقواعد التي تقوم عليها الأنظمة البرلمانية، ما يؤدي إلى اختلالات في النظام البرلماني اللبناني». وأكد أن دور المجلس «الحيلولة دون حدوث هذه الاختلالات على صعيد التشريع، وهو دور مهم جداً إذا أفسح المجال أمام المجلس الدستوري للاضطلاع به، لأن القوانين هي التي تحكم أداء المؤسسات في القطاعين العام والخاص. أما الوفاق الوطني فمحكوم بالتزام الدستور الذي جاء ثمرة وفاق وطني، وتضمن المبادئ الميثاقية التي ينبغي التقيد بها». ولفت إلى أن أعضاء المجلس آلوا على انفسهم «يوم تولينا مهماتنا في 5 حزيران/يونيو 2009، تفعيل أدائه وتعزيز مكانته وتوطيد الثقة به، والعمل متضامنين فريق عمل همه النهوض بالمجلس الدستوري». وقال: «واجهنا التحدي الأول في بت المراجعات والطعون التي كانت عالقة بسبب فقدان النصاب في المجلس السابق، ثم بت الطعون الناجمة عن الانتخابات النيابية عام 2009، مع العلم أننا تسلمنا مهماتنا قبل موعد الانتخاب بيومين فقط. فأجرينا التحقيقات في شأن الطعون، وتوسعنا فيها إلى أبعد حدود، فتكشفت حقيقة ما بنيت عليه الطعون، وأصبح من السهل اتخاذ القرارات نتيجة وضوح الحقيقة، فاتخذت بالإجماع، ولم يكن هناك ثمة مبرر لمخالفة أي قرار من أي عضو في المجلس، فجرى تصحيح بعض النتائج نتيجة أخطاء ارتكبتها لجان قيد، غير أن ذلك لم يؤد إلى إبطال نيابات نظراً إلى الفارق الكبير في الأصوات. وتم ذلك خلال أربعة أشهر. ولو كان هناك أسباب تستدعي إبطال نيابات مطعون فيها لأبطلناها من دون تردد، غير عابئين بردود الفعل السياسية». وأعرب عن اعتقاده بأن «الذين خضعوا للتحقيقات أمام المجلس شعروا بالجدية والموضوعية، ونأمل بأن يستفاد من دراسة الحيثيات التي بنيت عليها القرارات لوضع قانون انتخاب حديث، يؤدي إلى تمثيل صحيح وعادل لأوسع فئات المجتمع اللبناني». وشدد سليمان على أن «ما يعيب الانتخابات المال والعصبيات الطائفية والمذهبية. ولم يكن في مقدور المجلس الدستوري التصدي لهاتين الآفتين. فقانون الانتخاب حدد سقف الإنفاق على الحملة الانتخابية من دون أن يضع آلية لمراقبة هذا الإنفاق بفاعلية، لذا كان من المتعذر على المجلس الحصول على وقائع تثبت الإنفاق غير المشروع على الانتخابات، وخصوصاً أن الطعون في هذا المجال بنيت على إشاعات ولم تبن على أدلة حسية». ولفت إلى أن «العصبيات، وما تركته من أثر على خيارات الناخبين، ونتائج الانتخابات في عدد من الدوائر، فلا صلاحية للمجلس الدستوري في شأنها، فالناخب حر في تحديد خياراته كما يشاء». وأمل ب «وضع قانون انتخاب جديد يتصدى لمعالجة دور المال والعصبيات في الانتخابات، ليصبح التمثيل النيابي أكثر اتساعاً، وأقدر على تفعيل أداء المؤسسات الدستورية، والمدة التي تفصلنا عن الانتخابات المقبلة لم تعد طويلة». وأشار إلى أن «تفعيل أداء المجلس لا يتوقف عليه وحده، وإن كانت مهمة التفعيل تقع على عاتقه، في الدرجة الأولى، وهو مستعد لها ويعمل من أجلها».مشيراً إلى أن الطعون في دستورية القوانين «تفسح المجال أمام المجلس الدستوري للاجتهاد».