السعودية تتسلّم رئاسة الشبكة العالمية لسلطات إنفاذ قانون مكافحة الفساد    «أرسين فينغر» يطلع على استراتيجية المنتخبات والإدارة الفنية    ليث نائباً لرئيس الاتحاد العربي لكمال الأجسام    الكناني يدشّن مهرجان «نواتج التعلم» في متوسطة الأمير فيصل بن فهد بجدة    المملكة تتصدر وتحقق قفزات عالمية في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    المملكة 11 عالميًا والأولى إقليميًا في المؤشر العالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي    الذهب يواصل ارتفاعاته القياسية مع استمرار مخاوف زيادة الرسوم الجمركية    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في الافتتاح.. «قمة باريس» تناقش الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية    "ليب 2025" في يومه الثالث... نقاشات موسعة حول الابتكار والاستدامة الرقمية    محمد بن ناصر يطلع على أداء الخطوط السعودية    «كاوست» تقدم قصص النجاح الملهمة للسعوديات    غزة.. تصعيد ومهل متبادلة تهدد استمرار الهدنة    توجيه رئاسي للحكومة اللبنانية الجديدة بالشفافية وتنفيذ الإصلاحات    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    مصر: سنقدم تصورا متكاملا لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    الصيد.. تجربة متكاملة    مملكة الأمن والأمان    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    "التعزيز والإبداع في القصة القصيرة" و"ليلة العباس والمطمي" ضمن فعاليات معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥م    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    تعال.. فقد عشنا من الأزل    أول رحالة يعبر الأطلسي بقارب تجديف    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    في الطيران.. الكلمات حياة    بصراحة مع وزير التعليم !    سفراء الإعلام جسر بين الأكاديميا وسوق العمل    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    توجّه لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فلسطين الرسام محمد سباعنة ... سجن بلا ألوان
نشر في الحياة يوم 20 - 05 - 2017

ينخرط الفلسطينيون اليوم في البحث عن إمكان تأثير دور الإعلام الفلسطيني والعربي والعالمي في قضية الأسرى المضربين عن الطعام منذ أكثر من شهر. ولعلّ الفنون أيضاً من الأساليب الأكثر فاعلية وتأثيراً في نقل واقع هؤلاء المعتقلين، لذا نجد أنّ الفنّ الفلسطيني غني بمنجزات إبداعية مؤثرة يمكن من خلالها تقديم حياة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، أو ربما حياة الفلسطيني داخل السجن الإسرائيلي الكبير. وأحد أبرز هذه المنجزات كتاب الفنان الكاريكاتوري الفلسطيني محمد سباعنة وعنوانه «أبيض... أسود»، الصادر عن دار «جست وولد بوك» الأميركية.
لا يبدو الكتاب مرتبطاً بموضوع الأسرى في شكل مباشر، لكنّ متصفحه يدرك أهميته في التعبير عن هذه القضية المفصلية، لأن أكثر من نصف لوحاته (من أصل 180 لوحة) تعكس السجن (الكبير والصغير) الذي يعيش فيه الفلسطينيون تحت الاحتلال.
ولو احتاج الفلسطينييون إلى منجز فني متجاوز لحواجز اللغة والجغرافيا، لاستثماره في تقديم قضية الأسرى لما وجدوا أفضل من هذا الكتاب الذي استغرق العمل عليه سنوات ثلاثاً هي مدة إنجازه، وهو المكوّن من 142 صفحة تعكس مهارات صاحبه في الرسم والتجريب، هو الذي قدم رؤيته الصريحة للحالة الفلسطينية والاحتلالية الإسرائيلية.
ومن يشاهد الرسوم يدرك كيف أنّ سباعنة أخلص لفلسطينيته، بمعنى أنه لم يضع الجمهور الغربي (جمهور الكتاب) نصب عينيه- بالمفهوم السلبي- ولم يُغازل تطلعات الغرب عبر رسومه، إنما قدّم رؤية محلية فلسطينية أصيلة للصراع، ونقلها بمفردات فلسطينية، استلهمت من ثقافات غربية وتجارب تاريخية رموزاً كثيراً سخرها لتقديم رسالته الحاسمة.
تتجاوز دلالة العنوان اللونين اللذين يستخدمهما الفنان في رسم لوحاته، الأبيض والأسود، وهو خيار فني يلجأ إليه فنانون كثيرون عربياً وعالمياً، ليكونا فرصة لتوصيل رسالته من الدلالة التي يحملها كل لون. ففي بعض اللوحات نرى اللون الأبيض محاولة فنية تنتصر للفلسطينيين بصفتهم رمزاً للنقاء والطهارة والبراءة والحلم، فيما يكون اللون الأسود من نصيب المحتلّ الباطش والظالم والقاهر والسجّان. وفي حالات كثيرة نرى تحولاً بحيث تكشف اللوحات ممارسات الاحتلال الشاذة من أجل تحويل حياة الفلسطيني من الصورة السابقة (الأبيض) إلى صورة مليئة بالسواد بكل ما يرمز من موت وتدمير وحصار.
وليس غريباً هذا الموقف على سباعنة الذي عاش فلسطينياً داخل هذا السجن وذاق مرارة الاعتقال حين تمّ سجنه خمسة شهور عام 2013. لذا فإنّ السجن حاضر دائماً في رسومه بكل معالمه ومعانيه ومفرداته، ويحمل خطاباً فنياً ناضجاً جعله يجترح رمزيةً لثنائية الداخل والخارج، السجن والفضاء.
الحياة تحت الاحتلال في لوحات سباعنة هي سجن كبير، فالفلسطيني يعيش في «كنتونات» و«بلوكات» صغيرة. الجدار الذي يحاصر كل شيء، جاعلاً الحياة في متر مربع يتحول إلى مكان للسهر وحراسة الأحلام. وفي إحدى اللوحات نجد أنّ كل ما يلهو به الأطفال من ألعاب ترفيهية عبارة عن أقفاص وزنازين صغيرة في نقدٍ حادّ للحياة تحت الاحتلال.
في الكتاب أيضاً نرى لوحات تحاكي وجع الأسرى في سجونهم وتقدم تفاصيل كثيرة حولها مثل لوحة «سجن الضوء» أو «حبس الشمس»، وكذلك اللوحة التي تعكس تقييد حياة الفلسطيني في دائرة ضيقة، ولوحة أخرى تظهر حالة حصار الرأس البشري رمزاً للعقل...
وعلى رغم أن الاحتلال يبدو في جزء من الواقع الفلسطيني غير مرئي، يصرّ سباعنة في لوحاته على جعله مرئياً وحاضراً بقوة، وكأن لوحاته تعاند حيل الاحتلال ووهم الدولة الفلسطينية، فينسف بفخاخه الفنية كل ما فعله الاحتلال على مدار سنوات. وهكذا يجعل من الاحتلال الإسرائيلي احتلالاً داخلياً، يفعل أفاعيله في القمع والسيطرة، لكنه لا يظهر في الصورة إلا ما ندر.
هكذا تُعاند لوحاته الواقع المزيف وتفضحه فنياً. وما لوحة حياة الفلسطيني داخل أصفاد إلا عمل واحد يستبطن ضرورة الثورة على هذا الواقع وعدم التسليم به، لتكون لوحات سباعنة رداً على الاحتلال، وفضحاً للحالة الاستعمارية الجديدة التي نعيش في ظلها.
بقي أن نقول أن الكتاب يحاول ابتكار مدرسة جديدة في فن الكاريكاتير الفلسطيني، تتمثل في استخدام تقنية جديدة في الرسم وهي الحفر على «اليونوليوم» والتي عادة ما تستخدم لإنتاج اللوحات الفنية.
لم يرتب الفنان سباعنة الذي يعمل رساماً في صحيفة «الحياة الجديدة» في رام الله لإصدار كتابه متزامناً مع إضراب الأسرى، لكنها الأقدار التي تحتاج من يستثمرها في سبيل الدفاع عن أعدل قضية. كتاب سباعنة دليل على أنه فنان حي عضوي مرتبط بالواقع ومنخرط به، وما لحظته هذه إلا دليل قوي على ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.