كانت حادثة مقتل الفتى اليوناني ألكسندرس غريغوروبولوس نهاية عام 2008 على يد رجل أمن يوناني، بمثابة الشرارة التي أطلقت غضب الشباب اليوناني في ظاهرة لم تعرف اليونان مثيلاً لها خلال تاريخها الحديث. وكان واضحاً حينها أن آلاف الشبان والشابات الذين اندفعوا إلى وسط أثينا وساروا في تظاهرات صاخبة، كانوا يحتجون على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها، لا على حادثة القتل وحدها، كما كانوا في المقابل يبعثون رسائل قلق وخوف من المستقبل الذي ينتظرهم ولا يرون فيه إلا البطالة والأعمال غير المناسبة وعدم الأمان، وانعدام الثقة في السياسيين المتحكمين بالبلد. ولا يعني هذا أن الشباب اليوناني كان غائباً عن الساحة قبل الحادثة المذكورة، لكن تلك التظاهرات التي حيرت السياسيين، أدخلت الشباب عنصراً لا يستهان به في المعادلة السياسية، لسبب مهم هو أن قسماً كبيراً منهم لا يعتبر نفسه ضمن أي تيار أو حزب سياسي، وهؤلاء لا سبيل للضغط عليهم لإيقاف احتجاجاتهم أو التفاهم معهم من خلال الاتصال بالأحزاب والمنظمات السياسية. وكان الوجه السلبي للتظاهرات، طبعا، التدمير الكبير الذي لحق بالممتلكات العامة والخاصة على أيدي مئات الشباب الفوضويين الذين تركوا وراءهم خسائر مادية تقدر بملايين اليورو. ويذكر ان حركة الاحتجاج أدت الى حرق عشرات المصارف والمؤسسات التجارية والسيارات. وكانت فئة الشباب من أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بالأزمة الاقتصادية التي ضربت اليونان، إذ كانت أكثر أعداد المسرَّحين من الأعمال من الشباب. واتخذ أصحاب العمل من الأزمة حجة لتخفيض مرتباتهم وإبقائهم ساعات أطول في العمل من دون مقابل. وكذلك اضطر كثيرون من الشباب اليونانيين الى ممارسة أعمال لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية، وبأجور منخفضة، وفي أحيان كثيرة من دون تأمين اجتماعي. وتتحول المؤهلات العلمية العالية أحياناً في اليونان إلى نقمة بدلاً من نعمة، إذ ظهرت خلال الفترة الأخيرة لدى أرباب العمل تصورات أن أصحاب المؤهلات العلمية والمهنية العالية يطلبون رواتب مرتفعة، فصارت حظوظهم في التوظيف أقل، الأمر الذي يدفع اليوم كثيرين الى إخفاء مؤهلاتهم العلمية العالية لدى التقدم لأي وظيفة. واليونانيون شعب متجذر في انتماءاته السياسية، لذلك تحرض الأحزاب اليونانية على تكوين شبيبة حزبية نشطة، توكل إليها مهمة الاتصال بالفئات العمرية الشابة لاستمرار حياة الحزب وخدمة أهدافه، وتقوم لهذا الهدف بنشاطات مثل المخيمات والرحلات الشبابية. وانتخب «حزب التجمع اليساري» (سيناسبيزموس) المعارض (خامس حزب في البرلماني اليوناني) اخيراً شاباً في الثلاثينات من عمره على رأس الحزب، طمعاً في إظهار تجربة حزبية فريدة من نوعها. لكن التجربة لم تؤد حتى الساعة إلى أي نتائج إيجابية ملموسة. لكن هذا لا يعني بالضرورة انتماء جميع الشباب اليوناني للأحزاب المعروفة التي تنشئ تجمعات أو اتحادات غير منحازة إلى أي جهة سياسية، ويبقى على الشباب الحفاظ على استقلالهم ضمن التيارات الحزبية القوية والمنظمة. ويهوى اليونانيون السفر والاغتراب منذ زمن بعيد، ولا تزال جاليات كبيرة منهم تعيش في الولاياتالمتحدة وأستراليا وبلاد أخرى. وهجرة الشباب اليوناني، لا سيما الطلاب، مستمرة، وتطاول خصوصاً الطلاب الذين لم يستطيعوا دخول الكليات التي يرغبون بها في اليونان، وهؤلاء يلتحقون بكليات الدول البلقانية المجاورة. كما أن قسماً من الطلاب لديه الإمكانات المادية ليلتحق بالكليات البريطانية المعروفة لمتابعة دراساته. وظهرت خلال السنوات الأخيرة رغبة عارمة ومتنامية باستمرار، لدى الشباب اليوناني، في الهجرة إلى بلاد أخرى طلباً لأعمال أكثر استقراراً وأفضل أجراً، خاصة بلاد الخليج العربي، حيث تعمل عشرات الشركات اليونانية في مقاولات وأعمال مربحة. وهؤلاء الشباب يقبلون على تعلم اللغة العربية رغبة منهم في اكتساب مؤهل آخر يجعل حظهم أوفر في السفر الى البلاد العربية. ولا تخلو وسائل الإعلام اليونانية من صحافيين شباب أصحاب كفاءات جيدة، وإن كان العديد منهم تعرض للصرف اخيراً بحجة الأزمة الاقتصادية وتقليص النفقات. لكن الشباب اليوناني أظهر اخيراً ايضاً ميلاً إلى «الصحافة الشعبية» التي يستطيع كثيرون الإسهام فيها، وتتضمن المواقع التي تتيح للزوار المساهمة فيها بمقالات الرأي، إضافة إلى آلاف المدونات المختلفة الأهداف والمضامين، وبعضها اكتسب شهرة لا بأس بها بفضل الجدية والمتابعة للأحداث والاقتراب من هموم الشباب اليومية. أما التغطية الإعلامية لقضايا الشباب واحتجاجاتهم، فلا تكاد تكون موحدة، إذ تتحكم فيها عوامل مختلفة، ليس آخرها توجهات الوسيلة الإعلامية والانتماء السياسي للمتظاهرين، فالوسائل الإعلامية التي يسيطر عليها اليسار تتميز بتفهم أكبر وإعطاء العذر للشباب الغاضبين، فيما تطالب الوسائل التي يسيطر عليها اليمين بالحزم مع «الرعاع المخربين». وإضافة إلى خوض الشباب اليوناني لتجربة الإعلام الخاص، للشباب المهاجر تجربة أخرى يحاول من خلالها شرح القضايا التي تهمه وتقديمها للمجتمع اليوناني باللغة اليونانية، ومن أبرز هذه التجارب مجلة «أسانتيه» التي يصدرها شباب من أصول أفريقية، وموقع الإسلام باليونانية الذي يقوم عليه شباب يونانيون وعرب مسلمون بهدف التقريب بين المهاجرين المسلمين في اليونان والمجتمع اليوناني. وهناك العديد من البرامج التي تقوم بها الأممالمتحدة في صفوف الشباب، خاصة في مجال التطوع وخدمة المجتمع والحوار مع الفئات المختلفة، وهذه النشاطات غالباً ما تكون موجهة إلى الجمعيات الشبابية. لكن الملاحظ أن المشاركة في هذه النشاطات محصورة في نطاق ضيق من الشباب الذين يهتمون بموضوعاتها، فيما تبقى اهتمامات فئات واسعة من الشباب اليوناني متجهة إلى مجالات أخرى. إعلان الأممالمتحدة عام 2010 عاماً للشباب، لم يكن له تأثيره المباشر والملموس على أوضاع الشباب اليوناني، الذي فضل، على ما يبدو، أن يكون له إعلانه الخاص ووسائله الخاصة لجعل المستقبل له.