يشهد الخليج بمختلف مناطقه وبتفاوت، اهتماماً متزايداً بالبحث عن مصادر جديدة للطاقة، على رغم أنه لا يزال محافظاً على مكانته كمنتج لأهم مصدر للطاقة في العصر الحديث، أي النفط، إذ تأتي ثلاث دول خليجية هي السعودية والكويت والإمارات ضمن أول عشر دول في العالم لجهة احتياطاته، وتتقدم السعودية دول العالم أجمع في هذا المجال. وعلى رغم ذلك تنغمس دول مجلس التعاون، بجهود عملية وبحثية نظرية للتعرف إلى مصادر جديدة للطاقة، أبرزها فكرة إنشاء مدينة «مصدر» في أبو ظبي، كأول مدينة معتمدة بالكامل على الطاقة المتجددة. ووسط تلك المساعي تتميز جهود البحرين، خصوصاً أنها من الدول التي لم تشهد غزارة في إنتاج النفط منذ البداية. وربما لهذا السبب بالذات، كانت من أوائل الدول التي اهتمت بمحاولة تنويع مصادر دخلها، وتقليص الاعتماد على النفط، والبحث عن مصادر مستدامة للطاقة. لكن للبحرينيين وجهات نظر مختلفة وأحياناً غير متوقعة، عن الأسباب الكامنة خلف هذا التوجه. وينبه الخبير الاقتصادي البحريني محمد الصياد منذ البدء إلى أن «تحقيق إنجازات في هذا الاتجاه منوط كثيراً بإيجاد أطر وسياسات وضوابط تحيط بهذا الجهد». وقال: «البحرين بدأت تشكيل لجنة للطاقات المتجددة تعمل ضمن هيئة الكهرباء والماء، وأنشأت لجنة للمحافظة على الطاقة تعمل ضمن وزارة النفط والغاز». وكان ملك البحرين أصدر عام 2009 أمراً بتأسيس مركز لرصد التطورات الاستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي ودراستها وتحليلها ومتابعتها بقصد استخلاص المؤشرات المؤثرة على المصالح الحيوية للدولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وأن يقوم على وجه الخصوص بالدراسات المتعلقة بالطاقة وأمنها، على أن يرفع تقاريره لمجلس الدفاع الأعلى. وأكد الصياد «وجود مشاريع جادة في السعودية والإمارات كما الحال في مدينة مصدر الذاتية الطاقة لإيجاد حلول في مجال الطاقة المتجددة، لكن لهذا الحقل خصائصه ويتطلب وقتاً طويلاً قبل بروز نتائج عملية. كما أن دول الخليج تعتبر من أهم الدول المنتجة للنفط التقليدي، ما يضع في الأفق احتمال أن يعرض التقليل من استخدام النفط الأحفوري مداخيلها الوطنية للخطر». وكان الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة أشار في خطاب ألقاه في مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورجتاون في واشنطن عام 2008، إن لدى البحرينيين «وعياً يتزايد بموقعهم كمواطنين عالميين، يأخذون في الاعتبار الهموم العالمية، ويعلمون أن مستقبل ما بعد النفط لا يتعلق فقط بمصادر طبيعية ناضبة، إنما لأن الأمر يرتبط بإيجاد مجتمع عالمي لا يعود معتمداً على أنواع الوقود الأحفوري». وأكد أن لدى الخليج فرصة جلية لاستكشاف الفرص الواعدة بالطاقة البديلة. كما أن سكانه في موقع موائم تماماً للاستفادة من سنوات الخبرة بالصناعات التقليدية للنفط والغاز. وهم يضعون نصب أعينهم في شكل خاص، الإمكانات الهائلة بالحقول الجديدة لطاقة الشمس والرياح كمصادر بديلة، مركزين على الاستثمار وتطوير البحث في تلك القطاعات». وتابع: «هم ينظرون في الوقت ذاته، إلى الطاقة الذرية وإمكان السيطرة على مصدر للطاقة بمساعدة شركائهم». وختم بالقول: «بالطبع لن نتظاهر بأن الطاقة النووية ستوفر لنا حلاً فورياً وبسيطاً وخال من الأخطار، لكن نقدر الحاجة لاستكشاف الإمكانات التي تقدمها». الى ذلك، رسم مستشار ملك البحرين للشؤون السياسية رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة محمد عبدالغفار، خلفية اهتمامات البحرين بشؤون الطاقة المستدامة التي بلغت قمتها بتأسيس المركز. وأوضح في خطاب قبل أسابيع في مؤتمر خليجي - أوروبي لأمن الطاقة، أن «رؤية المركز ترتكز على ضمان توافر أبحاث ذات مستوى حول المسائل المهمة وبينها الطاقة بالطبع». واستعاد بعض ما يقلق دول العالم في شأن الطاقة، من عدم الاستقرار في العراق والتوترات عبر شبكات التوزيع في بحر قزوين التي تؤثر في انتظام الإمداد بالطاقة. وقادت انقطاعات التيار الكهربائي القلق في شأن إفراط الاعتماد على شبكات الكهرباء الحالية. وأضيف إلى ذلك أعطال فنية تؤدي الى تسرب النفط في العقد الماضي، بآثار بيئية مدمرة وكلفة تنظيفها. وأكد أن «هناك عدم فهم كامل للترابط بين أمن الطاقة والسياسات المتعلقة بتغير المناخ. وقد تهدد الظروف الجوية القاسية البنية التحتية للطاقة وتؤثر سياسات تغير المناخ في أنظمة الطاقة. وعلى رغم أن هذه المشكلات منفصلة إلا أنها تتطلب حلولاً مماثلة، وطاقة منخفضة الكربون في المستقبل». ويلحظ عبد الغفار كيف قاد الركود الاقتصادي العالمي عام 2009 لأول انخفاض بأسعار النفط للمرة الأولى منذ عام 2001. ويخلص إلى القول إن «الالتزام بالمرونة في أنظمة الطاقة ربما يكون عنصراً أساساً لتأمين مستقبل الطاقة، ويتضمن ذلك الاستثمار في تكنولوجيات بديلة منخفضة الكربون، وإنشاء شبكات توزيع بديلة وتشجيع سياسات كفاءة استخدام الطاقة». ويتبنى وزير النفط والغاز عبدالحسين ميرزا رؤية تقترب من السياسة والفلسفة على غير المتوقع، وتبتعد عن الاقتصاد وتقنيات الإمداد بالوقود. فهو يبدأ بالتأكيد بخطاب أمام المؤتمر الأوروبي الخليجي ذاته، على أن أمن الطاقة يشكل أحد أهم شؤون العصر، وهي العمود الفقري للمدنية. وهو يعتقد أن السبب الجوهري للكثير من التهديدات لإمدادات النفط يعود بالأساس لأسباب سياسية واقتصادية أو أجتماعية. ويدعو ميرزا لقلب المعادلة القائمة لعقود بين دول الخليج وأوروبا حيث اتجهت الأموال من أوروبا لقاء النفط. والآن يدعو وزير النفط البحريني الأوروبيين لإرسال الأموال ليس لشراء الوقود ولكن للاستثمار في صناعة النفط البحرينية، فيصبحوا شركاء «في الإنتاج بدول المصدر، وبالتالي تحقق أوروبا أمناً ذاتياً للطاقة». ويؤكد ميرزا صلاحية منطقة الخليج لتوليد ثلاثة أنواع من الطاقة المتجددة بالاعتماد على الشمس والرياح وحركة الموج. لكن عاد ليؤكد أن خيار دول الخليج للتقدم في هذا الاتجاه ليس بسبب أنها تود أن تحقق تنافسية جديدة، بل لأنها تود أن تكون في مقدم الدول الباحثة عن طاقة مستدامة ولأن تلك الطاقة تحظى بتبني الخليجيين لها ورغبتهم في توليدها.