وضع الزائر رواية «الشاه والسلطان» جانباً حين بدأت الطائرة بالهبوط التدريجي نحو مطار اسطنبول. كان قرأ الجزء الاول من الرواية التي تتناول تاريخ الصراع الذي امتد لعقود بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية وسجالات الشاه اسماعيل والسلطان سليم، وابنه من بعده، السلطان سليمان. لكن ما قرأه لم يساعده على فهم السبب وراء فشل مساعي انقرة في الاعلان عن السياحة التركية في إيران، رغم توقيع اتفاق تعاون في هذا المجال بين وزيري الدولتين. تساءل في نفسه: «ألا تزال العداوة القديمة ساكنة في النفوس رغم الابتسامة المرسومة على الوجوه ؟». الواقع أن كل المحاولات الديبلوماسية التي بذلتها تركيا خلال عامين باءت بالفشل، ولم تستطع توزيع اعلانات سياحية عن مدنها في إيران، رغم تأكيد المسؤولين الايرانيين أن لا مشكلة في هذا الامر ورغم الاتفاقات الموقعة والوعود المقطوعة. و الواقع أيضاً أن محاولات المسؤولين الايرانيين الحد من الاعلان عن السياحة التركية لم يمنع مضاعفة عدد السياح الايرانيين الى تركيا خلال العامين الماضيين . والظاهر أن التناقضات تطغى على العلاقات بين البلدين حتى يكاد يصعب التأكد من حقيقتها. فالرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد يحاول إظهار الود للشعب التركي من خلال تقليد وزير خارجيته الذي عزله منوشهر متقي بالحديث الى الصحافة التركية ببعض الجمل التركية التي حفظها بصعوبة خلال زيارته لاسطنبول لحضور قمة التعاون الاقتصادي قبل ايام. لكن الابتسامات المتبادلة لم تغط على مشاعر الغضب التركي من خرق الايرانيين لآلية التنسيق التركي - الايراني - السوري في العراق، وانفراد طهران بعقد صفقة مع واشنطن حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وهي الصفقة التي جعلت تركيا في موقف «الزوج المخدوع» ان جاز التعبير. كما أن الترحيب التركي الذي حظي به أحمدي نجاد خلال زيارته لاسطنبول لم يمنع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو من التصريح امام الصحافيين بأن طهران «ستجد تركيا في وجهها قبل الولاياتالمتحدة إن هي سعت جدياً للحصول على سلاح نووي». والجديد في هذه الجملة التي تعبّر عن موقف تركي قديم ومعلن، هو انتقاء كلماتها القوية. كما أن رد إيران الجميل لتركيا على مساعدتها في تمرير تفاهم تبادل اليورانيوم من خلال طلب عقد الاجتماع المقبل لها مع دول «خمسة زائد واحد» في اسطنبول ، لم يمنع أن يحول الطرفان لبنان إلى ساحة لاستعراض العضلات برز من خلاله بوضوح وقوف البلدين على طرفي نقيض في ما يخص إحدى أهم مسائل الشرق الأوسط. اذاً لعبة الشطرنج بين طهران وأنقرة مستمرة على رقعة الشرق الأوسط كما كانت قبل قرون، رغم الابتسامات والزيارات وحجم التبادل التجاري المتزايد، مع نزوح التجارة الايرانية الى تركيا هرباً من العقوبات الدولية، وإن اختلفت حركة أحجار كل طرف وتكتيكه، وإن بدت بيادق إيران منتشرة بشكل أكبر على الساحة. هبط الزائر من الطائرة ليستقبله في مطار اسطنبول اعلان عن مسلسل تركي تاريخي جديد بعنوان «الاعوام الذهبية المئة « يتناول سيرة السلطان سليمان الذي وسع سلطان الدولة العثمانية وضم إليها بغداد التي كانت حينها في أيدي الصفويين، ليبدأ بذلك سجال طويل بين الدولتين حتى يثبت حفيده السلطان مراد الرابع من خلال اتفاق قصر شيرين 1639 حدود الدولة الصفوية وراء مياه الخليج العربي. ويتساءل الزائر، وهو يغادر المطار قائلاً: «من الأبقى يا ترى التاريخ أم الديبلوماسية؟»