لم يحقق لقاء عين التينة أي تقدم ملموس يمكن الرهان عليه لإحداث خرق في اتجاه التوافق على قانون انتخاب جديد، وغلب عليه التباين بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري من جهة وبين رئيس الحكومة سعد الحريري ونائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان من جهة ثانية حول المشاريع الانتخابية المطروحة، على رغم أن اعتماد النظام النسبي في القانون حضر بامتياز، لكن مع تمسك كل من الطرفين بمفهومه الخاص لتطبيقه، فيما بقيت المواقف من استحداث مجلس للشيوخ تراوح مكانها. وعلمت «الحياة» من مصادر نيابية ووزارية مواكبة للأجواء التي سادت اللقاء الذي استضافه ليل أول من أمس الرئيس بري في مقر الرئاسة الثانية بناء لرغبة مشتركة من الرئيس الحريري والنائب عدوان، أن الأفكار التي حملها الأخيران إلى اللقاء قابلها رئيس البرلمان بالاعتراض، ما أعاد البحث في المشاريع الانتخابية إلى المربع الأول مع فارق يتعلق بإقرار من حضر اعتماد النظام النسبي في أي قانون انتخاب جديد. ولفتت المصادر نفسها إلى أن المجتمعين أكدوا ضرورة التواصل، لأن لا مصلحة لأي طرف في إغلاق الأبواب أمام مزيد من المشاورات لعلها تؤدي في نهاية المطاف إلى توافق حول قواسم مشتركة من شأنها أن تشكل قاعدة للوصول إلى تسوية في شأن قانون الانتخاب. وكشفت المصادر عينها أن الاجتماع انتهى إلى تسجيل مجموعة من النقاط كانت موضع خلاف بين بري من جهة وبين الحريري وعدوان من جهة ثانية، ومن أبرزها: - التباين في وجهتي النظر حيال استحداث مجلس للشيوخ، لجهة أن بري طالب بأن تسند رئاسته إلى شخصية درزية، خصوصاً أن لا مانع لديه من نقل بعض صلاحيات المجلس النيابي إلى مجلس الشيوخ، في مقابل مطالبة الحريري وعدوان بأن تسند رئاسته إلى شخصية مسيحية أو أن يصار إلى ترحيل البحث فيه إلى سنتين أو ثلاث لعل الظروف تتحسن، بما يسمح بالتوافق على إيجاد صيغة من شأنها أن تحسم الخلاف القائم في الوقت الحاضر. - تعذر الاتفاق على تقسيم الدوائر الانتخابية، على أساس التسليم بأن لا حل إلا باعتماد النظام النسبي، فرئيس البرلمان يرى مصلحة في تقسيم لبنان 6 دوائر انتخابية بينما يقترح الحريري وعدوان تقسيمه 15 دائرة، على أن يصار إلى تقسيم محافظة عكار وأيضاً محافظة الجنوب إلى ثلاث دوائر، إضافة إلى الخلاف على تقسيم الشمال كلاً إلى دوائر انتخابية. - الخلاف على كيفية احتساب الصوت التفضيلي في أرضه، أي في القضاء، في ظل إصرار رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل على أن يكون هذا الصوت بمثابة الوجه الآخر للنظام التأهيلي، أي بمعنى أنه يسحب احتسابه من تحت، أي من القضاء، لمصلحة احتسابه من فوق، أي في الدائرة الانتخابية إنما على أساس التقيد بروحية «المشروع الأرثوذكسي»، ما يعني احتسابه مذهبياً للمرشحين في الدائرة الانتخابية الواحدة، بذريعة أن هناك ضرورة ملحة لوضع ضوابط للنسبية لقطع الطريق على العامل العددي انطلاقاً من الإحصاءات، تؤمن رجحان كفة الصوت المسلم بنسبة لا يستهان بها على الصوت المسيحي. - إن تقسيم محافظة بيروت دائرتين انتخابيتين بقي عالقاً، مع أن حزب الطاشناق يطالب باقتطاع بعض الأحياء من الدائرة الثانية، أي الباشورة، وضمها إلى الدائرة الأولى، أي الأشرفية، ما يؤدي إلى حصر المقاعد النيابية المخصصة للأرمن في الأخيرة، وهذا يلقى اعتراضاً من «التيار الوطني الحر». وتردد أيضاً أن «القوات» لا يحبذ السير في مثل هذا التقسيم. - لم يحسم الخلاف على مطالبة «التيار الوطني» و «القوات» بنقل مقاعد نيابية من بعض المناطق التي تعود فيها الغلبة للمسلمين في اختيار المرشحين المسيحيين. ويتذرع بري في رفضه، من حيث المبدأ، اللعب بنقل مقاعد نيابية من دائرة إلى أخرى بأنها تدفع في اتجاه إقامة فيديراليات سياسية، ويرى أن لا مصلحة لأحد في فتح الباب أمام نقل المقاعد. لذلك، قرر بري في ضوء الأجواء التي سادت لقاء عين التينة، أن يسحب مشروعه الانتخابي من التداول بعد أن أمهل الجميع حتى تاريخ ليل أول من أمس للإجابة عليه من دون أن يتلقى من معظم الأطراف أي جواب. ويقوم مشروع بري على تقسيم لبنان 6 دوائر انتخابية، شرط اعتماد النظام النسبي واستحداث مجلس للشيوخ برئاسة شخصية درزية. ولهذا خيّر الأطراف بين اعتماده كما هو أو رفضه، من دون أن يصار إلى إدخال تعديلات يمكن أن تفرغه من مضمونه. وتقول مصادر مقربة من بري إن اقتراح الفريق الآخر النسبيةَ لا يلتقي مع النسبية التي اقترحها رئيس المجلس في مشروعه الانتخابي، وإن المناقشات كشفت أن بعض الأطراف يريد تجويف النسبية من مضمونها وإفراغها من أي محتوى طائفي وبالتالي يريدها على طريقته وعلى قياسه. وتؤكد المصادر نفسها أن بري لم يربط استحداث مجلس للشيوخ بإلغاء القيد الطائفي في المجلس النيابي. وتعزو السبب إلى أنه يراعي خصوصية بعض الطوائف، وهذا ما دفعه إلى المطالبة بأن يصار إلى التقيد بالمناصفة في المقاعد النيابية بين المسلمين والمسيحيين من دون الدخول في الأحجام النيابية لأي مذهب. وبكلام آخر، يرى بري أن هناك ضرورة للتسليم بالمناصفة من دون احتساب الأحجام المذهبية لدى المسلمين والمسيحيين، أي التقيد بطائفية المقاعد النيابية، طالما أن لا مساس بهذه المناصفة. على صعيد آخر، كان لافتاً أن بري قرر تأجيل الجلسة التشريعية التي كانت مقررة أمس إلى 29 أيار (مايو)، وعلى جدول أعمالها مجموعة من البنود أبرزها التمديد للبرلمان لمنع حصول فراغ في حال تعذر الوصول إلى قانون انتخاب وإقرار سلسلة الرتب والرواتب للعاملين في القطاع العام. أما لماذا قرر بري ترحيل الجلسة إلى 29 الجاري بدلاً من 22 منه كما كان يتوقع معظم الأطراف؟ في الإجابة عن السؤال، يقول مصدر نيابي ل «الحياة» إن لترحيل الجلسة سببين: الأول أن بري لا يريد أن يقفل الأبواب أمام إمكان التوافق على قانون ولو في اللحظة الأخيرة، ولهذا أراد أن يعطي فرصة لاحتمال التفاهم ويمكن التعامل مع هذا الترحيل على أنه بمثابة تحفيز وضغط لإنجاز القانون. أما السبب الثاني، فيعود إلى أن بري، العارف -كعادته- خفايا الأمور، بات على ثقة بأن رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري لا يعارضان فتح دورة استثنائية للبرلمان تبدأ مع نهاية العقد الحالي في 31 أيار وتنتهي قبل يوم من انتهاء الولاية الممددة للبرلمان في 20 حزيران (يونيو)، على أمل أن يؤدي فتحها إلى تمديد الفرصة لإنتاج قانون جديد. وعليه، فإن تحديد بري موعد الجلسة في 29 الجاري ما هو إلا تدبير احتياطي في حال تعذر فتح هذه الدورة، وبالتالي لا مفر من التمديد للبرلمان حتى أيلول (سبتمبر) المقبل، لمنع الفراغ في السلطة التشريعية على أن يتلازم مع تمديد المهل، وأولها ما يتعلق منها بدعوة الهيئات الناخبة للاشتراك في الانتخابات النيابية المؤجلة على أساس القانون النافذ.