يقف مجلس الوزراء اللبناني عاجزاً ولم يدعُ حتى الأمس إلى جلسة لمناقشة قانون الانتخاب الجديد الذي لا يزال يغرق في فوضى المشاريع والاقتراحات، مع أن رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري كانا تعهدا وضع قانون انتخاب تجرى على أساسه الانتخابات النيابية، لكن حتى الآن لم يبادرا إلى استرداد المبادرة من الأطراف التي تتبارى حول أي قانون جديد يمكن أن يرى النور قبل انتهاء مفعول قرار عون تعليق عمل البرلمان حتى 13 أيار (مايو) المقبل، وبالتالي فإن تعذر إنتاج أي قانون سيطلق يد البرلمان في جلسته التشريعية المقررة في 15 أيار. وعلمت «الحياة» أن اجتماعاً عقد ليل أول من أمس في دارة الرئيس الحريري حضره كل من رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، معاون الأمين العام ل«حزب الله» حسين الخليل، المعاون السياسي لرئيس البرلمان وزير المال علي حسن خليل وعدد من معاوني الحريري، استمر حتى ساعة متأخرة ليلاً، طرح خلاله «حزب الله» مجدداً اعتماد النسبية الكاملة في قانون الانتخاب. وقالت مصادر مطلعة أن المجتمعين لم يتوصلوا إلى اتفاق. وباستثناء الحزب «التقدمي الاشتراكي» الذي تقدم السبت الماضي بمشروع قانون بكل تفاصيله، يجمع فيه بين النظامين الأكثري والنسبي، فإن الآخرين يتحدثون عن القانون في العموميات من دون بلورته بمشروع متكامل يشمل تقسيم الدوائر الانتخابية والنظام الواجب اعتماده وتوزيع المقاعد. وعلى رغم أن «حزب الله» باق على موقفه باعتماد النسبية الكاملة في لبنان دائرة انتخابية واحدة، فإن حليفه رئيس البرلمان نبيه بري يتريث في طرح مشروعه، وكأنه ينتظر أن ينفد صبر الآخرين ويبدوا مرونة في تعاطيهم مع الأفكار التي سيطرحها من دون إطاحة المشروع الذي طرحه حليفه «التقدمي». كما أن الحديث عن استحداث مجلس شيوخ على أساس «المشروع الأرثوذكسي»، أي أن تقترع كل طائفة لمن يمثلها فيه، بدأ يتقدم ويحظى بتأييد غالبية الأطراف. وهؤلاء يتجنبون التطرق إلى آلية إدراجه في صلب قانون الانتخاب ليكون مشمولاً في سلة واحدة متكاملة معه. في المقابل، فإن «الحزب التقدمي» وإن كان يرفض كل أشكال الصيغ التأهيلية للمرشحين في القضاء، فهو قرر أن ينأى بنفسه عن الدخول في سجال حول مجلس الشيوخ، لأنه سيبني موقفه على الصيغة النهائية عندما تطرح عليه. أما على صعيد تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية»، فإن مصادر مواكبة للاتصالات الجارية بينهم تؤكد أن الأولين باتا على تفاهم في شأن الخطوط العريضة لقانون الانتخاب وتحديداً بالنسبة إلى اعتماد النظام النسبي بعد تقسيم لبنان إلى دوائر انتخابية وهذا يشمل النظام التأهيلي في القضاء، شرط أن يكون طائفياً أي يعود للمسلمين انتخاب مرشحيهم في القضاء وكذلك بالنسبة إلى الطائفة المسيحية. وسجل حزب «القوات» أكثر من ملاحظة على المشروع قيد البحث بين «المستقبل» و«التيار الوطني». ولدى الأطراف الثلاثة توجه يقضي بابتداع صيغة تقوم على اعتماد النظام التأهيلي لمرة واحدة، شرط أن يتم التحضير لاستحداث مجلس شيوخ، وأن لا مشكلة لديهم في التوصل إلى صيغة مركبة تجمع بينهما، يشملها مشروع القانون الذي على أساسه سيصار إلى التفاهم على التأجيل التقني للانتخابات. وبعيداً من الفوضى في المشاريع الانتخابية، توقفت أوساط متابعة أمام إصرار البطريرك الماروني بشارة الراعي على موقفه، باعتماد قانون الانتخاب النافذ حالياً أي «الستين»، لإجراء الانتخابات في حال تعذر وضع قانون جديد لأنه يبقى الأفضل من التمديد للبرلمان أو الفراغ. وهو الأمر الذي لقي اعتراضاً من «التيار الوطني الحر» و«القوات» وإن بقي داخل الغرف المغلقة في بكركي. وعلمت «الحياة» أن ممثلين عن «الثنائي المسيحي» لم ينقطعوا عن التواصل مع الراعي حتى بعد موقفه من القانون النافذ في عظته أول من أمس، انطلاقاً من شعورهما بأنه من غير الجائز وضع المسيحيين بين خيارين، الأول سيء والثاني أسوأ منه، بدلاً من الضغط لإنجاز مشروع جديد. وأفيد بأن الراعي كان واضحاً في موقفه، بقوله أمام ممثلي الثنائي المسيحي «أني لست في وارد تظهير موقفي كأني على تناقض مع التيار الوطني والقوات. وأنا أرفض استغلال موقفي من قبل البعض لجهة تقديمه على أني على خلاف معهما». ونقل عن الراعي قوله إن «موقفي مبدئي انطلاقاً من الثوابت التي تؤمن بها بكركي وتدافع عنها، وفي حال حصول الفراغ في البرلمان لا نعرف إلى أين سنذهب بالبلد وهل من أبواب جديدة ستفتح علينا وكذلك الحال بالنسبة إلى التمديد الذي لا أؤيده وأقف بقوة ضده». كما نقل عنه قوله إن لا خيار إلا باعتماد القانون النافذ، خصوصاً أن الوضع المسيحي بدأ يتغير وأن تفاهمكما يفترض أن يساهم في تحسين التمثيل المسيحي ويقلل من مجيء نواب مسيحيين بأصوات آخرين. وكرر الراعي تأكيده أنه أكثر حرصاً من أي وقت على وحدة المسيحيين ولن يسمح باستغلال طرحه خصوصاً أن موقفه معروف من القانون النافذ، وإلا لما كان بادر إلى دعوة النواب المسيحيين للاجتماع في بكركي للبحث في بديل منه، ومن ثم المرشحين لرئاسة الجمهورية في محاولة لتوحيد موقفهم بترشيح أحدهم للرئاسة. وعلم أن الراعي قال لمن التقوه: «كفى مزايدةً علي في البعد المسيحي. وفي الوقت ذاته لا يجوز أن تستمر الأمور التي نشكو جميعاً منها».