ينتظر حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا أن يُعلن الأحد المقبل عودة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى زعامته، وما سيتبع ذلك من إعادة لهيكلة الحزب وفق رؤيته الخاصة، فيما تسابق المعارضة الزمن من أجل الاستفادة من زخم توحّدها خلال الاستفتاء الذي نُظم في شأن النظام الرئاسي، لتشكيل جبهة واحدة تختار مرشحاً ينافس أردوغان في انتخابات الرئاسة المرتقبة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. وتعتقد المعارضة بأن أردوغان لن يصبر حتى ذلك الموعد، لبدء مرحلة جديدة تمكّنه من التمتع بصلاحيات أوسع، وتبدو قلقة من استخدامه الغالبية العددية لحزبه في البرلمان، من أجل تقديم موعد تلك الانتخابات وتنظيمها خريف هذا العام أو شتاء العام المقبل. وترى أن الرئيس يسعى إلى الاستفادة من انقسام التيار القومي، وسجن معظم القياديين الأكراد، ومن خلاف اندلع داخل «حزب الشعب الجمهوري»، أبرز أحزاب المعارضة، بسبب مطالبة قياديين فيه بإطاحة زعيمه كمال كيليجدارأوغلو، إذ يتهمونه بالضعف لرفضه النزول إلى الشارع ودعم تظاهرات خرجت بعد الاستفتاء، احتجاجاً على قرارات اتخذتها اللجنة العليا للانتخابات. ويقول القيادي محرم إنجه، الذي ينافس علناً كيليجدارأوغلو على زعامة الحزب: «إذا كنا لن نحتكم إلى الشارع في مثل هذه الظروف، فمتى سنتحرك؟ هذه قيادة ضعيفة ومترددة ويجب أن يتولى زعيم قوي قيادة الحزب». في مواجهة هذا المشهد، يسعى كيليجدارأوغلو إلى لقاء قياديين معارضين من أحزاب أخرى، من أجل مناقشة «الصفات التي يجب أن يتمتع بها المرشح المشترك للمعارضة» في انتخابات الرئاسة. والتقى رئيس حزب «السعادة» الإسلامي تمل كرم الله أوغلو، لكن اجتماعهما لم يفضِ إلى اتفاق، على رغم إشارة الطرفين إلى أن الصفات الأساسية في المرشح المنشود، تكمن في أن يكون مقبولاً من اليمين المحافظ واليسار الأتاتوركي والأكراد أيضاً، لكي يفوز في الانتخابات، وهذا أمر لا ينطبق حتى الآن على أي قيادي سياسي في الساحة. ويطرح بعضهم اسم ميرال أكشنار، وهي قيادية انشقت عن حزب «الحركة القومية»، لمعارضتها قرار زعيم الحزب دولت باهشلي دعم النظام الرئاسي، وحاولت الترشح ضده على زعامة الحزب، لكنها فشلت. وميرال يمينية مخضرمة ومن مؤسسي حزب «العدالة والتنمية»، لكنها تركته وانضمت إلى القوميين بسبب خلاف مع أردوغان. ويرى مؤيّدوها أنها تستطيع الحصول على دعم الأكراد و «حزب الشعب الجمهوري»، إن ترشحت للرئاسة وضمّت إلى حملتها اسمَي شخصيتين، من اليسار والأكراد، يكونان مقبولين ومعتدلين، ترشحهما لمنصب نائب الرئيس. وبذلك يمكن المعارضة مواجهة أردوغان بثلاثة مرشحين، بدلاً من واحد. وعلى رغم الاتهامات الموجهة إلى حزب «العدالة والتنمية» وأردوغان بالتسلط والسعي إلى التفرد بالسلطة، يرى محللون أتراك أن مشكلة الديموقراطية في تركيا تبدأ من المعارضة، قبل الحزب الحاكم، إذ إن المعارضة التي تتهم الرئيس بالاستبداد، لا يتخلى زعماؤها عن مناصبهم، على رغم نتائجهم السيئة في الانتخابات والاستفتاءات، بل يستخدمون صلاحياتهم من أجل قمع أي حركة معارضة داخلية. وفصل دولت باهشلي عشرات من قياديي حزبه، لمعارضتهم له ولمطالبتهم بتنظيم مؤتمر طارئ لانتخاب زعيم جديد. ويعاني «حزب الشعب الجمهوري» انفصاماً في الهوية، بين قواعده الأتاتوركية المتطرفة القديمة والمتجذرة، وزعيمه المعتدل الذي لا يرى حرجاً في التعاون مع حزب «السعادة» الإسلامي ويرفض اللجوء إلى الشارع. ويمنح ذلك أردوغان أفضلية دائمة في الانتخابات، على رغم انتقادات كثيرين من المحللين، له ولنظام اختيار الزعيم في حزبه، من دون انتخاب. ولكن يبدو أن أسلوبه يساعده على رصّ الصفوف وتجنّب أي خلاف داخلي يمسّ أداءه في أي اختبار سياسي.