لم تعد هناك ضمانات، فأنت مراقب حتى في غرفة نومك، إنهم يستطيعون أن يرصدوا حركاتك وكلماتك، وأن يجمعوا كثيراً من المعلومات حولك، ومن ثم يدفعونك إلى الإتيان بما يرغبون، عبر ابتزازك، أو خداعك ورسم مسار لك يقرره من يمتلك المعرفة التي تقتحم حياتك الخاصة. التأثير المفزع للسوشيال ميديا، أخلاقياً واجتماعياً وأمنياً واقتصادياً، إلى أي مدى قد يصل بعدما تحوّلت عدسات الكاميرات في أجهزة الخليوي والكومبيوتر إلى عيون متصلة بنا على مدار الساعة؟ هذا هو جوهر المسلسل المصري «اختيار إجباري» الذي عُرِض أخيراً خارج موسم رمضان، من بطولة أحمد زاهر، خالد سليم، كريم فهمي، مي سليم، زينة مكي، سوسن بدر وريم بن مسعود، سيناريو حازم متولي، وإخراج التونسي مجدي السميري. فرضت طبيعة الموضوع على العمل أن يتحلى بالتشويق وبعض المنعطفات الدرامية والألغاز. مزيج يقدمه السميري في إطلالته الأولى على الدراما المصرية، بعد مسلسلات ناجحة في تونس. حرب تكسير العظام بين الأثرياء حيتان الاقتصاد، لا تدار بالدم في جانب كبير منها، بل بالسبق المعلوماتي عبر مراقبة «آدم» (أحمد زاهر) للعالم من معمله الإلكتروني. مسار بني على نظريات حروب الجيل الرابع التي تقوم على المكيدة والإيقاع أكثر من المواجهة والاشتباك. الأصدقاء الثلاثة «آدم» (أحمد زاهر)، و «مالك» (كريم فهمي)، و «يوسف» (خالد سليم) يتحالفون ضد «راغب منصور» (أحمد كمال)، ويوقعونه في صدام مع «فاروق رمّاح» (محمد مرزبان) و «إدي مرزوق» (شمم الحسن). عبر المناورات والتخطيط والعمليات المتفرقة، حقق تحالف الأصدقاء غايته. ولكن لا تنتهي الأحداث عند هذا الحد، عندما يتضح ل «مالك» و «يوسف» أن «آدم» خدعهما وجندهما لحسابه. بغض النظر عن المط الذي اكتنف الأحداث، والشخصيات التي يمكن الاستغناء عنها بسهولة، مثل «جميلة» (غيدا نوري)، و «رانيا» (فاطمة ناصر)، فإن المركز الفني للعمل، المتمثل في شخصية «مالك»، العبقري السيكوباتي، التي جسدها أحمد زاهر ببراعة تحسب لرصيده الفني هي التي قادت العمل وغطت بعض نقاط قصوره المتمثلة في مقدار من المط، بخاصة في علاقة خالد سليم، ب «ياسمين» (مي سليم) و «مالك بلنا» (زينة مكي). تمتع «آدم» بقدرة فائقة على الإقناع والسفسطة، ما منح السيناريو والحوار ثقلاً في مواضع مختلفة، وهو الأمر الذي مثّل عنصر جذب في شخصيته. وتأتي شخصية «لؤي»، التابع الوفي الغامض، القادر على حل المشاكل، لتشكل عنصر جذب آخر، وتتقن رسم شخصية «آدم» المتآمر الغامض الذي يدير شبكة العلاقات حوله مع مساعده الغامض. قدم المؤلف عبر 60 حلقة كل ما في جعبته من حيل، ليستنفد الدراما، وعلى رغم نجاحه في نقش العمل بالعمليات الصغيرة والصراعات الفرعية التي تشكل قوام الصراع الكبير، فإنه وقع في خلل بنائي غريب عندما أرجأ لحظة انقلاب «يوسف» و «مالك» على «آدم»، إلى المشهد الأخير، وأهدر إمكان استخدام هذا الصراع بديلاً للمط، وكأنه كان يمتلك بالفعل أحداثاً كافية للحلقات الستين، ويضن على المتفرج ببعض الإثارة في سياق الصراع الكبير، ومباراة أخرى غير التحالف الثلاثي ضد «راغب». وضعت هذه النهاية المبتسرة خطوطاً تحت كل نقاط الضعف بالعمل، مثل هشاشة السيناريو في بعض مفاصله، ورداءة تجسيد بعض الأدوار، بخاصة التي مثلها المطربان خالد سليم ومي سليم. اللافت في فريق العمل، اشتماله على فنانين من جنسيات عربية مختلفة، فعدا عن المصريين يحضر التونسيون مجدي السميري وريم بن مسعود وفاطمة ناصر، والسوريون أميرة نايف وسارة نخلة وفراس سعيد، ومن لبنان زينة مكي وغيدا نوري، إضافة إلى العراقي المتألق شمم الحسن.