بعد اغتيال رفيق الحريري، شعر السنّة أنّهم يتعرّضون لهجوم غير مبرّر أو مفهوم، يقوده بشّار الأسد وحسن نصر الله، بتوجيه من إيران. وأحسّوا، بعد تماوجات وليد جنبلاط، أنّ حلفاءهم المحلّيّين لا يُعتمد عليهم. كذلك أخفقت محاولات بناء ميليشيات سنّيّة وتحوّلت فصلاً إضافيّاً في كتاب الفساد المتفرّع عن الحريريّة. بدورها، ظهرت هشاشة فكرة التعويل على أجهزة الدولة لتوفير حماية أمنيّة وعسكريّة من قوّة عسكريّة عالية التدريب والتعبئة ك «حزب الله». لقد بدا على نحو مُلحّ أنّ قمرة القيادة ينقصها ربّان، فيما لا تبدو على سعد الحريري علامات حذق تكفي لتولّيه الزعامة. البداية الساذجة اسم «حزب الله» لم يُطرح في لائحة المتّهمين باغتيال رفيق الحريري فور حصوله. عائلة الراحل، على العكس، طلبت من أمينه العامّ حسن نصر الله، أثناء زيارته لتقديم العزاء، استخدام وسائل الحزب الأمنيّة لكشف «الفاعلين الحقيقيّين». الاتّهام الأوّل جاء في مقال صحافيّ غربيّ أثار ضجّة واستنكاراً. القرائن والإشارات التي تفيد بأن للحزب دوراً في الاغتيال بدأت تتراكم. وعلى رغم وجود «خبراء عالميّين» ضمن لجنة التحقيق الدوليّة، فالتقدّم الأكبر في التحقيق حقّقه ضابط لبنانيّ دفع حياته ثمناً لذكائه. ذاك أنّه سرعان ما تسرّب خبر اكتشاف النقيب وسام عيد لحلقات الاتّصالات الخليويّة قرب ساحة الجريمة، وظهر رابط مُحكم بين أرقام هواتف المنفّذين المباشرين وأرقام مسؤولين في الحزب. في كانون الثاني (يناير) 2008 اغتيل وسام عيد بعبوة ناسفة. لقد تعدّدت أهداف الاغتيالات ومحاولاتها. من إرهاب الصحافيّين (سمير قصير، ميّ شدياق، جبران تويني) إلى تقليص عدد النوّاب ال «14 آذاريّين» الساعين إلى انتخاب رئيس للجمهوريّة (وليد عيدو، أنطوان غانم، جبران تويني الذي كان نائباً أيضاً). محاولة اغتيال رئيس فرع المعلومات المقدّم سمير شحادة في الرميلة ثمّ اغتيال وسام عيد في الحدث، كانا ضربتين مباشرتين لمسار الكشف عن الجريمة. بدت هناك علاقة سببيّة لا تخطئها العين: كلّما تقدّم التحقيق صوب «حزب الله» ازداد الحزب حدّةً في إنكار التّهمة، وازدادت وتيرة اختفاء المتّهمين، وتكثّفت «إطلالات» نصر الله التلفزيونيّة الغاضبة، والحاملة «إثباتات» على تورّط إسرائيل في الاغتيال. ... إلى 7 أيّار المواجهات في شوارع العاصمة والمناطق المختلطة مذهبيّاً. الاغتيالات والتحريض الصريح عليها. الصراع داخل مؤسّسات الدولة لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة ومنع تقدّم التحقيق الذي انتقل إلى المحكمة الدوليّة: إنّها سلسلة كان لا بدّ من أن تنكسر في مكان ما. لجأت «قوى 8 آذار» إلى الاتّحاد العمّالي العامّ، صنيعة الأجهزة السوريّة واللبنانيّة منذ التسعينات، وحرّكته لتنظيم احتجاج على الأوضاع المعيشيّة المتردّية. تحرّكُ الاتّحاد جاء قنبلةً دخانيّة لإخفاء خطّة مبيّتة: المطلوب قلب الوضع السياسيّ بعدما حاولت الحكومة تفكيك شبكة اتّصالات الحزب وإقالة مدير أمن المطار الموالي له. الاتّحاد العمّاليّ نفّذ دوره من الخطّة، مع علمه بها أو من دون علمه، وأصدر نصر الله الأمر بالتحرّك في مؤتمر صحافيّ من وراء شاشة تلفزيونيّة كبيرة. مئات تدفّقوا من مسلّحي الحزب وحركة «أمل» والأحزاب الملحقة بهما إلى شوارع بيروت التي شهدت مناوشات ثمّ حملة اعتقالات نُفّذت بحقّ أنصار «المستقبل» و «التقدميّ الاشتراكيّ». فجأة بدا لسكّان بيروت أنّ ما هو متوافر من سلام أهليّ ليس سوى مكرمة من «حزب الله»، وأنّ الأخير يستطيع، ساعة يشاء، أن يستردّها. وليد جنبلاط أمر مقاتليه بالانسحاب من بيروت فور تأكّده من عزم نصر الله على احتلال المدينة. محازبوه تركوا المسلّحين التابعين للحريري بلا حول ولا قوّة لانعدام خبراتهم القتاليّة والميدانيّة. لكنّ خطّة «حزب الله» كانت ترمي أيضاً إلى اقتحام الجبل: هناك اندلعت معركة قاسية في الشويفات كلّفته العديد من مقاتليه، لكنّها، على رغم تلك النتيجة الحربيّة، كرّست قناعة جنبلاط بعبثيّة المواجهة مع الحزب في أوج صعوده، أي بعد «انتصاره» في حرب تمّوز. عزّز هذا الميل أنّ جنبلاط والحريري حوصرا في منزليهما في العاصمة. اتّفاق الدوحة، في أيّار 2008، ثبّت النتائج السياسيّة لاقتحام بيروت. «حزب الله» تبوّأ مكانه كصانع أوّل للسياسات في لبنان، كما حاصر الحريريّة في مطالبتها ب «العدالة» و «الحقيقة»، منتزعاً منها حلم استعادة الموقع الذي أحرزته إبّان حياة الحريري الأب. كذلك زُرعت بذرة شقاق في «14 آذار» التي انتبهت إلى هزالها وزجليّتها الفولكلوريّة في مواجهة آلة عسكريّة وأمنيّة وإعلاميّة عالية الاحتراف وكبيرة الإمكانات. ذروة هذا الشقاق كانت ابتعاد وليد جنبلاط عن التحالف وإعلان حياده في سلسلة من الخطوات التي قادته لاحقاً، وعبر قناة «الجزيرة»، إلى الاعتذار من الأسد. بعد ذاك زار جنبلاط دمشق والتقى حاكمها، إلاّ أنّه تمهّل في أداء زيارته هذه إلى ما بعد قيام الحريري بالخطوة ذاتها. ليلة في دمشق الاحتقان خفّ تدريجيّاً بعد اقتحام بيروت ورفع «حزب الله» مخيّمه الاعتصاميّ من وسطها. كذلك انتُخب لرئاسة الجمهوريّة قائد الجيش ميشال سليمان الذي لم يُعرف بأشياء كثيرة، والقليل الذي عُرف به لم يكن مشجّعاً: لقد أحاطت علامات استفهام عدّة بموقفه من حرب نهر البارد وبامتناعه عن التصرّف عند دخول مسلّحي «8 آذار» إلى العاصمة والجبل. كان واضحاً أنّ سليمان، الضعيف الكاريزما، آتٍ لإدارة الأزمة وأنّه غير مؤهّل حتّى للتدخّل في حلّها. بدورها، سمحت الوساطات العربيّة والدوليّة بوقف حملة الاغتيالات مقابل فتح الرئيس الفرنسيّ نيكولا ساركوزي أبواب قصر الإليزيه أمام الأسد، علامةً على عودته إلى الأسرة الدوليّة التي طُرد منها بعد اغتيال الحريري. هذه المقايضة كانت برهاناً آخر، يكاد يكون دامغاً بوليسيّاً، على تحديد طبيعة المستفيد من القتل، إن لم يكن القاتل. في هذه الغضون، جاءت زيارة الحريري دمشق في أواخر 2009. معادلة «السين سين» الشهيرة أكملت محاصرته: لقد تبادل سعد وبشّار القُبل ونام الأوّل ليلة في قصر الثاني. أغلب الظنّ أنّ جفنه لم يغمض تلك الليلة في قصر الشعب. أغلب الظنّ أنّ أشباحاً كثيرة حلّقت في فضاء غرفته. ابن القتيل ربّما فكّر بالقاتل ابن القاتل، والأرجح أنّه تلوّى تحت وطأة الفارق الظالم بين الحظّين. إنّها اللعبة الأسديّة إيّاها التي مورست مع جنبلاط قبل أن تُمارس مع الحريري: نقتل الأب ونستقبل الابن الذي يشمّ شواء والده في ردهات القصر السوريّ. رئيساً للحكومة نعم، تراجع الاحتقان في بيروت إلاّ أنّ الاستعصاء الذي دخله لبنان في 14 شباط (فبراير) 2005 لم يقترب من نهايته. أعيد العمل بقانون انتخابات 1960 (الذي يُسمّى قانون غازي كنعان) بعد تعديلات اتُّفق عليها في الدوحة. وقبل أيّام من انتخابات 2009 ظهر نصر الله على الشاشات ليشدّد على أنّ «7 أيّار يوم مجيد من أيّام المقاومة»، ما وفّر على سعد الحريري الكثير من الجهد في حشد المؤيّدين السنّة ممّن يتعمّق شعورهم بالإهانة والتهديد. وبالفعل، حقّقت «قوى 14 آذار» انتصاراً مهمّاً في انتخابات ذاك العام، واعتبر سعد أنّه أنهى سنوات الإعداد وبات جاهزاً لتولّي رئاسة الحكومة بدل السنيورة، صاحب الخبرة الطويلة في العمل الوزاريّ وإدارة الصراعات ضدّ خصوم «المستقبل». وبعد معاندة استمرّت شهوراً، بسبب المطالب المنتفخة ل «التيّار الوطنيّ الحرّ»، ومساندة «حزب الله» لعناده، اعتذر الحريري عن المهمّة الصعبة، قبل أن يعاد تكليفه بها. في آخر المطاف، تشكّلت حكومة سعد الحريري الأولى. تلاوته البيان الوزاريّ كانت فضيحة عمّمها التلفزيون. ذاك أنّ أحداً من قبل لم يتوقّع منه البلاغة في لغة الضادّ، لكنّ أحداً لم يتوقّع، في المقابل، أن تكون سنواته في الصفوف الابتدائيّّة مرّت عليه هكذا مرور الكرام. معاناة تلاوة البيان رطّبت الأجواء المحتقنة. الكلّ قهقهوا، بمن فيهم الخطيب الفاشل. الهمّ الجدّيّ ظلّ في مكان آخر: فكمثل صعوبات التأليف كانت صعوبات الحكم. كلّ خطوة يخطوها سعد الحريري مطلوب منها أن تتفادى عبوة زرعها الأسد ونصر الله على طريقه. وبدورها راحت الأوضاع الإقليميّة تكافئ الرئيس السوريّ متوهّمةً فصله عن إيران. اقتضى تذليل التوتّر بين السعوديّة وسوريّة توجّه سعد إلى دمشق. بعد شهور كانت زيارة جنبلاط إليها، ثمّ تلتها زيارة ثانية للحريري. الزيارة الأولى جاءت ضمن مناخ التهدئة العامّ في المنطقة. الثانية كانت في سياق الصراع ضدّ تطويقه من داخل حكومته عبر وزراء تحرّكهم دمشق. فكّ الحصار الدوليّ عن نظام الأسد وإعادة تأهليه عربيّاً وتراجع الاهتمام بالمحكمة الدوليّة، شجّعت الأسد و نصر الله على مزيد من التصعيد ضدّ الحريري: المطلوب فعليّاً هو أن يتبرّأ من أبيه، أو أن يقول إنّ إسرائيل، أو ربّما ضربة شمس، أودت به. الزيارتان إلى دمشق لم تجديا، والقرار اتُّخذ بإسقاط حكومته من طريق تغيير التوازنات داخلها. توقيت إطاحة الحكومة اختير أثناء اجتماع رئيسها في البيت الأبيض مع باراك أوباما. ينبغي أن تكون إهانته مطنطنة على مرأى العالم كلّه ومسمعه. هكذا انتهى الأمر، مطالع 2011، بنزول «القمصان السود» التابعين ل «حزب الله» إلى الشارع. أُسقطت حكومته وكُلّف نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة. في ذاك العام كان النفوذ السوريّ يستكمل عودته الظافرة، معزّزاً بالنفوذ الإيرانيّ الصاعد، إلى الحياة السياسيّة اللبنانيّة. تلقّى الحريري الصفعة الجديدة وهو أعزل من أيّ دعم عربي اعتاد عليه. لكنّ مكر التاريخ أبى إلاّ أن يمدّ يد النجدة: بينما كان بشّار الأسد وحسن نصر الله يحتفلان بانتصارهما النهائيّ في لبنان، انفجرت الثورة في سوريّة. المنفى الطوعيّ النجدة، مع هذا، كانت نسبيّة وبطيئة. حسم الصراع في سوريّة بدا أمراً طويلاً ومعقّداً. صحيح أنّ الثورة شاغلت الأسد وشغلته، لكنّ البندقيّة ظلّت في يد «حزب الله» الذي ما لبث أن استعملها لاحقاً في قتل السوريّين. غاب سعد الحريري طويلاً. عمليّاً، جرى طرده من القرار الفعليّ فطرد نفسه من البلد. في هذه الغضون ارتسمت الحياة السياسيّة على هيئة لا تسرّ أيّ «14 آذاريّ»: ترشيح سمير جعجع للرئاسة لم يُقلع. المعركة الرئاسيّة باتت تنحصر بين اثنين من «8 آذار»: ميشال عون وسليمان فرنجيّة. سعد رشّح الثاني قبل أن يؤيّد الأوّل ويتولّى رئاسة الحكومة الأولى في عهده. لقد زكّاه 110 نوّاب من أصل 126. مع هذا استغرق تشكيله الحكومة 40 يوماً. العودة أتاحت له الحكومة، لكنّها لم تُتح له السياسة. الحريري ظلّ مُطالَباً بأن يدوّر الزوايا. بأن لا يكون حادّاً. بأن يضع ماءً كثيراً في نبيذ خصوماته. بأن يترك القضايا الأساسيّة ل «أصحابها». موقفه من القانون الانتخابيّ مثلاً لم يغادره البحث عن التوافق. لقد بدا تكراراً لترشيحه فرنحيّة ثمّ تأييده عون. في هذا الموقف إشارات إلى أنّه مستعدّ لقبول أيّ من المقترحات، في انتظار صدام مفتوح بين عون و «حزب الله»! «ردّه» على جولة «حزب الله» و «إعلاميّيه» في الجنوب كان جيّداً وضرويّاً. إنّها المرّة الأولى، منذ عقود، يزور الجنوبَ رئيس حكومة لبنان. إنّها المرّة الأولى التي يظهر فيها، عبر موقع رسميّ بارز، أنّ سياسات الحزب الحدوديّة ليست موضع إجماع. لكنّ أحد مستقبلي سعد على الغداء في صور كان وزير «حزب الله» محمّد فنيش. سياسة ولا سياسة رقعة الحركة ضيّقة جدّاً، وجسد الحريري غير مطواع. إذاً لا بأس بالانتقال إلى حلبة رقص أخرى. إلى حيّز سياسيّ يكون لا سياسيّاً في الوقت نفسه. إلى مكان ليس ل «حزب الله» رأي فيه أو موقف منه: مكان أقرب إلى الصورة منه إلى التأثير. هكذا مثّل سعد جوستين ترودو وسياسيّين غربيّين شبّاناً لا يريد حسن نصر الله أصلاً أن يكون مثلهم. والحال أنّ التناقض بين «الشيخ» و «الكول» كان ماثلاً على الدوام في الحريري، أصغر رؤساء الحكومات اللبنانيّة سنّاً. لقد سبق له، في أحد مهرجانات «14 آذار»، أن خلع سترته وشمّر عن زنديه وهو يخاطب جمهوره. لكنّ الأمر يختلف اليوم. فلأنّ بوّابة السياسة الفعليّة، التي تسيطر عليها بندقيّة الحزب، مغلقة في وجهه، رأيناه يركّز على سياسة الشبيبة. هذا، من حيث المبدأ، يستحقّ التثمين، إلاّ أنّ كندا – ترودو ليست محكومة ببندقيّة مقدّسة. و «الشبيبة» عندنا، على عكس كندا، ليست مفهوماً منزّهاً عن الطوائف. إنّها تنضوي كلّيّاً في طوائفها، حين يجدّ الجدّ، وتعطيها مقاتليها. غرّد سعد متحسّراً على واجهة بيروت البحريّة أيّام الأحد وتخصيصها ساعات للدرّاجات الهوائيّة من دون سيّارات، مؤيّداً إحياء تلك الواجهة. وهو ركب درّاجة وصُوّر وهو يقودها، وتناول سندويشاً في احد مطاعم الحمرا انتظر في الصفّ كي يحصل عليه. وفي ساحة رياض الصلح رشقه المتظاهرون بقنانٍ بلاستيكيّة، كما جرّب التحدّث بلغة الصمّ والبكم. كذلك رأيناه يرعى، بلباس رياضيّ، إطلاق مشروع بيروت لمحطّات الدرّاجات الهوائيّة الآليّة، معلناً حماسته لجعل العاصمة مدينة «صديقة للبيئة». ولم يخل الأمر من اندلاق عاطفيّ حمله على تغريد أغنية وطنيّة بليدة: «بحبّك يا لبنان». لقد غرّدها كلّها ولم يترك محافظة واحدة للنسيان. لكنّ الطرد المديد من السياسات الفعليّة، بعد التناقضات الكثيرة في التعاطي مع سوريّة و «حزب الله»، شرع يصدّع النواة الحريريّة نفسها. فلم يعد سرّاً أنّ للسنيورة تحفّظاته على نجل صديقه، وأنّ لكلّ منهما فريقه الذي يناكف فريق الآخر. أمّا أشرف ريفي فانشقّ، تاركاً خالد الضاهر ومعين المرعبي يترجّحان بين الانشقاق والانضواء. أبعد من هذا، تردّد أنّ الأخ الأكبر بهاء تراوده الطموحات التي سبق لها أن خذلته في 2005، وأنّ ريفي شريكه في المسار هذا. أغلب الظنّ أنّنا لن نشهد مبارزة ريموس وروميلّوس مرّة أخرى. فالحريري يعاني أوضاعاً ماليّة لا يُحسد عليها. وهو إذا كان يشبهنا، وطنيّاً، في ضعفه حيال سلاح اغتصابيّ، فإنّه، اجتماعيّاً، لا يشبهنا بتاتاً. لقد عاد إلى لبنان أكثر سمنة ممّا كان عندما غادره. لكنّ أوضاعه الماليّة المتراجعة جعلت النحول يصيب العاملين في مؤسّساته. بعضهم دفعتهم الفاقة إلى حالات من البؤس لا يحبّ سعد أن يسمع بها. سريعاً ما اكتشف ضحاياه، وبعضهم حريريّون عتاة، أنّ سمنته المستجدّة لا تعني شيئاً في ما يخصّ حقوقهم المترتّبة عليه. أطلق اغتيال الحريري الأب وما تلاه تحدّيات كبرى على وريثه السياسيّ: أن يكون شجاعاً ومحنّكاً ومجرّباً وكاريزميّاً في آن معاً. كان واضحاً نقص المتوافر من هذه المواصفات. مع ذلك، وُجد من يقول إنّ ما في حوزته من أموال وعلاقات ونيات حسنة لا يرقى إليها الشكّ تتكفّل تعويض النقص. الأموال تقلّصت. العلاقات انكمشت. لم يبقَ إلاّ حسن النيات.