تحضر وسائل التواصل الاجتماعي (سوشال ميديا) في مصر عبر تناقضات ضخمة في الموقف منها، خصوصاً بعد الدور الذي أدّته في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، وانتشار خشية أوروبيّة واسعة من تكرار الأمر في انتخابات فرنسا وألمانيا. (أنظر «الحياة» في 16 كانون الأول- ديسمبر 2016). وفي عيّنة مباشرة عن التناقض، يدور على ألسنة المثقفين ومقاهيهم كلام عن شعريّة الفضاء الافتراضي، أقلّه كما تبدّى في صدور كتاب لناقد مصري عن تلك الرؤية. وعلى المقلب الآخر، هناك من يرى أنّ مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت عبئاً على كاهل الأمن الوطني المصري، ما يعني أنّ الالتفات إليها من تلك الوجهة صار أمراً حتميّاً في الوقت الراهن. وفي سياق يتّصل بذلك النوع من القلق المبرّر، تقدّم عدد من أعضاء مجلس النواب (البرلمان) باقتراح يتضمّن فرض رسوم على استخدام تلك المواقع وفي مقدمها «فايسبوك». واستطراداً، يكفي تذكّر الأعداد الهائلة والمروحة الواسعة من المصريّين الذين يستخدمون ال «سوشال ميديا»، ليبرز سؤال عن مدى حقّ النواب في طرح ذلك الاقتراح. في ظل ذلك النقاش، اقترح النائب رياض عبد الستّار من حزب «المصريين الأحرار» فرض رسم قدره 200 جنيه (قرابة عشرة دولارات) شهرياً على مستخدمي «فايسبوك»، مشترطاً إغلاق صفحة من لا يدفع. وأفاد عبد الستّار بأنه يُعد مقترحاً يهدف إلى وضع إطار قانوني لوضعيّة مواقع ال «سوشال ميديا» في مصر، عبر فرض رسوم تؤدّي أساساً إلى التعرّف إلى من يستخدم تلك المواقع كي ينشط ضد مؤسّسات الدولة. ويبدو أن العائد المالي للرسوم وجباية أموال للخزينة العامة، ليسا أولويّة في ذلك الاقتراح. وأضاف عبد الستّار: «طالما أن الأمن القومي مهدّد، فلا تسألوني عن حقوق الإنسان»، مشيراً إلى أنه يعتزم جمع توقيعات عدد كافٍ من النواب على مقترحه تمهيداً لإقراره. وتضامن معه اللواء يحيى كدواني، وكيل لجنة الدفاع في مجلس النواب، وقال: «عدم خضوع مواقع التواصل الاجتماعي للرقابة يجعلها وسائل تخابر وتدبير عمليات إرهابية ونشر إشاعات تضر بمصالح مصر». ودعم النائب محمد الكومي، عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب، رأي زميله مشيراً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي «تسبّب كثيراً من المشاكل، تشمل التحريض ضد الجيش والشرطة». وأشار أيضاً إلى أنّه لا بد من وضع قانوني مباشر لها عبر فرض رسوم على مستخدميها، بل حتى وضعها تحت مراقبة أمنيّة! حذار من فخ الملكيّة الفكريّة كذلك طالب النائب محمد عمارة ب «قونَنَة» استخدام ال«سوشال ميديا»، بعدما باتت تستخدم في التحريض ضد مؤسّسات الدولة، وتحض على نشر الفوضى وتهديد السلم الاجتماعي، إضافة إلى تهديدها تماسك الأسر بعد ظهور مؤشّرات أخيراً إلى ارتباطها بزيادة معدلات الطلاق! وأوضح عمارة أنه تقدّم بمقترح يتضمن تسعير ساعة استخدام «فايسبوك» ب30 جنيهاً، على أن تتولّى الأمر شركات الاتصالات بالتعاون مع «الجهاز القومي للاتصالات». وأعرب عن اعتقاده أيضاً بأن المقترح يتكفّل بجلب بلايين الجنيهات إلى خزينة الدولة. وفي رأي قانوني معاكس تماماً، حذّر محمد نور فرحات، أستاذ القانون الدستوري، من خطورة فرض رسوم على الدخول إلى موقع «فايسبوك». وأعرب عن قناعته بأنّ «النواب الذين يقترحون فرض رسوم على استخدام ال «سوشال ميديا» يجهلون قوانين الملكية الفكريّة، ولا يعلمون أنهم يورطون الدولة في مسؤولية ربما كلّفتها بلايين الدولارات لمصلحة شركة فايسبوك»! واندلع السجال في وقت تعكف الحكومة المصريّة على إعداد مشروع قانون للجرائم الإلكترونيّة، يُغلّظ عقوبة استخدام الإنترنت في التخطيط لعمليات إرهابية أو التحريض ضد الجيش والشرطة. ويتضمّن توقيع عقوبة «السجن المشدد على من استخدم موقعاً أو حساباً خاصاً أو بريداً إلكترونياً على الإنترنت، بغرض إنشاء كيان إرهابي أو الترويج لأفكاره أو ارتكاب أعمال إرهابية، أو لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين الجماعات الإرهابية أو المنتمين إليها، أو تمويل الإرهاب، أو توفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات في شكل مباشر أو غير مباشر. وكذلك إتاحة أو نشر بيانات أو معلومات عن تحركات القوات المسلحة أو الأجهزة الأمنية أو عن أي من العاملين بهذه الجهات أو الأعضاء بأي من سلطات الدولة بغرض ارتكاب جريمة من جرائم الإرهاب»، وفق النص المقترح لذلك القانون. ثقافة العوالم الافتراضيّة في مزاج مصري مغاير كليّاً لكل ما تقدّم، صدر أخيراً عن «مؤسسة شمس للنشر والإعلام» في القاهرة كتاب «شعرية الفضاء الإلكتروني/ قراءة في منظور ما بعد الحداثة»، للناقد مصطفى عطية جمعة. ويقع في 232 صفحة من القطع الكبير، ويتوزّع على بابين رئيسيّين. يحمل الأول عنوان «الشعريّة والفضاء التقني: الأبعاد الفكريّة والفلسفيّة والإبداع»، والثاني «الإبداع الشعري في الفضاء التقني: قراءات نقدية تطبيقيّة». وبصورة عامة، يتناول الكتاب عالم الإنترنت الذي فرض واقعاً افتراضياً، وأوجد تخيّلاً جديداً، وجذب الملايين من البشر متعددي الأعمار والأمزجة والثقافات والتصورات والخيالات. ويلقي الكتاب ضوءاً على مواكبة تلك الوقائع إبداعياً، عبر تلمّس إبداعات متشابكة في رحابة فضاء الإنترنت. ويلفت إلى استخدام الشبكة وسيلة للنشر، فيما عمد البعض إلى التفكّر عميقاً في معنى كونهم جزءاً من ظاهرة افتراضيّة تقنيّة، ثم قدّموا أفكاراً وتأمّلات وفلسفة عنها. ويحاول الكتاب أيضاً الإجابة عن أسئلة حدود العلاقة بين الفضاء التقني والإبداع الشعري؟ هل يمكن أن يلج الشاعر غمار الشبكة، ويبحر في ثناياها بشاعريته، متخطياً حدود التعبير التقليدي؟ واستطراداً، يطرح الكتاب مناقشة تأصيليّة للفضاء التقني وأبعاده الاجتماعية، وتأثيراته الفكرية، وامتداداته على صعيد الإبداع والفلسفة والشعر. ويقدّم أيضاً دراستين تطبيقيتين عن شاعرين معاصرين ينتميان إلى جيلين مختلفين، هما محمد يوسف وشريف الشافعي. ويرى أنهما نجحا في استنباط لغة شعريّة تتفاعل مع العوالم الافتراضيّة لل «سوشال ميديا».