«وثيقة خداع»، «عملية شد وجه صغيرة»، «عرض عابث»، «غش وخداع»... هذه بعض من التسميات التي أطلقها الإسرائيليون على الوثيقة التي أعلنتها «حماس». وقد رأوا أن توقيت صدورها عشية احتفالات إسرائيل بذكرى تأسيسها، لم يكن مصادفة ولا يقتصر فقط على زيارة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. الإسرائيليون ترقبوا عرض رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، لهذه الوثيقة وتابعوا كل تفاصيلها. السياسيون منهم لم يتأخروا في التعليق وكان السبّاق بينهم رئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، الذي حاول التقليل من أهمية هذه الوثيقة ومضمونها واعتبرها مجرد «عرض عابث» ورأى في مضمونها استمرارية لاستثمار حركة «حماس» لكل مقدراتها من أجل مواجهة إسرائيل. وأصر على رغم تراجع الحركة عن بند إبادة إسرائيل، أن «حماس» تؤكد بوثيقتها هذه وحديث مشعل، عدم التراجع عن موقفها الداعي إلى تدمير إسرائيل. وحاول من خلال تعليقه على الوثيقة إظهار الحركة كعدو خطير لإسرائيل واستعدادها المتواصل للحرب عليها. فنتانياهو وغيره من السياسيين، خصوصاً الداعمين سياستَه يرون أن التغيير الذي تضمنته الوثيقة لا يعني إحداث تغيير حقيقي لدى الحركة إنما يكون التغيير الحقيقي في التوقف عن حفر الأنفاق وعن تربية الأطفال على قتل الإسرائيليين. وعلى الطريق ذاته خرج ضد الوثيقة أيضاً منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، الجنرال يوآب مردخاي، الذي يعتبر الحاكم العسكري الإسرائيلي ويتحكم في قنوات الاتصال والإتجار بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. فكتب على صفحته في الشبكات الاجتماعية معلناً: «القرآن دستورنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا - هذا هو الوجه الحقيقي لحماس الإرهابية. وليس ميثاقها أو وثيقتها الجديدة، سوى خدعة بحتة». الإسرائيليون بمعظمهم خرجوا بموقف شبه موحد بأن الحركة ما زالت الخطر المحدق بإسرائيل. حتى رئيس المعارضة، يتسحاق هيرتسوغ، هاجمها ولم ير فيها أي تغيير إيجابي. وزاد موقف الإسرائيليين حدة بعد التهديدات التي أطلقها الجناح العسكري ل «حماس»، كتائب عز الدين القسام، في اليوم الثاني من إعلان الوثيقة، وأمهلت إسرائيل بالتجاوب خلال 24 ساعة مع مطالب الأسرى الأمنيين المضربين عن الطعام، وأوضحها الناطق بلسان الكتائب، أبو عبيدة، بالإعلان أن ثلاثين أسيراً سينضمون إلى قائمة الأسرى المضربين عن الطعام، في كل يوم تتأخر إسرائيل عن التجاوب مع مطالبهم. وأشاروا إلى ما تضمنته الوثيقة من تشديد على الاستمرار في الكفاح المسلح، معتبرين إياه دليلاً آخر على أن «حماس» لم تتغير والوثيقة لم تأت بجديد يمكنه أن يخرجها من حلقة التنظيمات الإرهابية، واعتبر بعضهم الوثيقة مجرد مجموعة رسائل، موجهة أساساً إلى الدول العربية والرئيس أبو مازن. هناك من تناول الوثيقة من جانب آخر، ليطمئن الإسرائيليين. بعضهم رأى جوانب جديدة بينها أن الحركة لأول مرة تدعو إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود 67. وهذا يعني أن الأحلام بفلسطين الكبيرة اختفت، إذ إن الوثيقة تطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة، بقيادة «حماس»، على كل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة لها. هذا يعني، وفق ما نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أنه ومن دون ذكر الاسم والتسمية بالتفاصيل، «حماس» توافق على «دولة أخرى»، هي إسرائيل، كجارة لها. ولكن خلافاً للسلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن، تطالب أولاً، بتحرير كل الأراضي المحتلة، من دون التخلي عن شبر واحد ومن دون الموافقة على تبادل الأراضي. في تحليل الإسرائيليين للوثيقة يحسمون أن الحركة أرادت توجيه أكثر من رسالة إلى الحركات الإسلامية أيضاً، فهي تتنصل من العلاقة مع الحركة الأم، «الإخوان المسلمين»، وتلتزم أمام حكومتي مصر والأردن «بعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى». وهذا، في رأي الإسرائيليين، هو أيضاً سبب إعلانها بأنه ليس لديها أي شيء ضد اليهود واليهودية، وإنما ضد «الاحتلال الصهيوني». صحيفة «هآرتس» ترى أن الوثيقة تتضمن جوانب جديدة، لا تظهر العنف والرغبة في تدمير إسرائيل. وتقول أن الوثيقة معدة، أولاً، للشعب الفلسطيني وتنطوي على بنود وعبارات تم صوغها خلال المفاوضات على المصالحة مع منظمة التحرير الفلسطينية. كما تتوجه الوثيقة إلى الخارج، وليس إلى الحكومات الغربية، وإنما للدول العربية والإسلامية والحركات الشعبية العربية المؤيدة لكفاح الفلسطينيين ضد الاحتلال. وخلافاً لرأي نتانياهو ترى الصحيفة أنه في كل ما يتعلق بإسرائيل، تثبت الوثيقة أن «حماس» هي حركة تصغي للانتقادات، أو حسب قول خالد مشعل، تعرف كيف تتطور وتتجدد وتعترف بخطر التحجر. وتلائم الوثيقة الجديدة ذاتها مع التعريف الذاتي للتنظيم: حركة تحرر ومقاومة قومية، فلسطينية وإسلامية، هدفها تحرير كل فلسطين ومحاربة المشروع الصهيوني. نقطة الانطلاق في الميثاق، برأي الصحيفة، بأن مصدر الصراع هو ديني – تختفي من وثيقة المبادئ، لكنه في وثيقة المبادئ، أيضاً، بقي الإسلام مصدراً للصلاحيات، وفلسطين هي دولة عربية إسلامية – يمنحها الإسلام مكانتها الخاصة. في ثلاث نقاط أخرى بارزة، تصغي الوثيقة إلى الانتقاد الداخلي، وفق «هآرتس» وهي: إنها تتطرق إلى المسيحيين الفلسطينيين، من خلال الإشارة إلى أن فلسطين هي موطن المسيح. وأما بنود الميثاق المتعلقة بمكانة المرأة في البيت والعائلة وكونها «منجبة الرجال»، الذين يحاربون من أجل التحرير – فقد استبدلت ببند عام حول دورها الحيوي في المجتمع. وحرصت الصحيفة الإسرائيلية على سماع رأي من «حماس» فنقلت على لسان عضو ناشط في قيادة الحركة، رفض كشف هويته، أنه «فور نشر الميثاق في 1988، تقريباً، سمعت في الحركة أصوات تطالب بتغيير بعض بنوده، إذ إن تلك البنود لم تكتب خلال إجراءات مشتركة، وليست دقيقة من ناحية «علمية وقانونية». ووفق أقواله، فإن ناشطي «حماس»، الذين تم طردهم إلى مرج الزهور في لبنان (في آذار 1992)، ناقشوا لأول مرة جدية الحاجة إلى تغييرها. لكن الأمر لم يتم لأن المقصود عملية متواصلة ومعقدة من التفكير والمشاورات، خلال فترات صعبة من التصعيد العسكري. والحقيقة هي أن الوثيقة الجديدة لا تسمى «ميثاقاً». ومن شأن «إلغاء» الميثاق أن يكرر الإهانة التي تعرضت لها منظمة التحرير، عندما تم إلزامها على إلغاء بنود من ميثاقها الصادر عام 1968، بسبب تعارضها مع اتفاق أوسلو. لكن ميثاق حماس لم يعد البرنامج الفكري الرسمي». ورداً على سؤال الصحيفة ما إذا كانت «حماس» فعلاً قطعت كل ارتباط بحركة «الإخوان المسلمين»، لمجرد عدم الإشارة إليها في الوثيقة الجديدة؟ قال المسؤول في «حماس»: «خلافاً لادعاءات فتح، فإن العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين كانت علاقة عاطفية وليست مؤسساتية – تنظيمية – قيادية، يخضع كل ذراع لأوامر ما يشبه «الكومنترن». والحقيقة، يضيف المسؤول «الحمساوي»، أنه في كثير من الدول لجأت الأحزاب المرتبطة ب «الإخوان المسلمين» إلى سياسة مختلفة. هناك، أيضاً من الإسرائيليين، من يشعر بقلق حقيقي من الوثيقة حيث قال البعض صراحة أنه يوجد قلق على صورة الإسلام وفهم «حماس» بأن عليها الابتعاد وإبعاد أنصارها عن التماثل مع «داعش». ودعا سياسيون وخبراء إلى الانتظار قليلاً «لرؤية ما إذا كان التشدد المبدئي في الوثيقة يهدف إلى تخفيف المرونة السياسية في «إدارة الصراع» كتعريف الوثيقة. سمدار بيري التي علقت على الوثيقة تحت عنوان «عملية شد وجه صغيرة» كتبت: «كيفما نظرنا، فسنجد أن ميثاق حماس الأصلي اجتاز عملية شد وجه صغيرة: أخيرا، شطبت حماس الدعوة إلى تدمير إسرائيل، ولكن بالروح نفسها تقسم بأنها لن تتخلى عن الكفاح المسلح ضد الاحتلال بكل الوسائل والطرق». هذا يعني أننا لم نتخلص من الانتحاريين، وعمليات الطعن والعبوات والأنفاق والقذائف والاختطاف. قبل أسبوع فقط، تضيف: «حظيت بتلقي بريد إلكتروني حمل شريط فيديو دعائي ممجوج لحماس – نوع من الضربة في البطن الخفيفة – حول الأسرى والمفقودين الإسرائيليين، والذي قررت وسائل الإعلام لدينا تجاهله وبحق. وتقول: «لو كان من الممكن التعامل مع وثيقة المبادئ كنقطة انطلاق، لمواصلة الحوار السري وإدراج بعض التغييرات، لكان يمكن تمويه الحسابات الطويلة مع حماس والخطو معاً نحو فجر يوم جديد. لكن حماس هي حركة أيديولوجية متعنتة اقسمت بعدم الاعتراف بإسرائيل، ومواصلة العنف وعدم التحرك حتى لسنتيمتر واحد». المواقف الإسرائيلية من وثيقة «حماس»، إذاً، تتراوح ما بين الرفض والتشكيك. وحتى الأوساط التي ترى تغييراً بسيطاً ما في مواقف «حماس»، تظل تعتبرها عدواً. وهذا يعني أن السياسة الإسرائيلية تجاه «حماس» لا تتغير. وستواصل محاربتها. وتسعى إلى إقناع العالم بأنها لم تتغير بشيء، حتى تبقي على حججها لتوجيه ضرباتها العسكرية إليها، أكان في الحروب على قطاع غزة أو في الملاحقة والمطاردة في الضفة لغربية أو الاغتيالات في الخارج.