أكد رئيس مجلس أمناء مؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز أمس، أن الأمة «ابتليت بالفكر المتطرف، والإسلام منه براء»، كما اعتبر أن الجهل الديني أمر خطر على أمن الدول، ودعا إلى تجديد الخطاب الديني: «باتت قضية أمن وأمان، وخوف واطمئنان، قضية قد تؤدي إلى استقرار ورخاء، أو فوضى وجهل وإساءة إلى الدين الواحد». وأشاد الأمير خالد في كلمته خلال حفلة اختتام فعاليات الدورة التاسعة من مسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود السنوية لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية على مستوى دول آسيان والباسفيك ودول آسيا الوسطى والشرقية، في القصر الجمهوري بحضور الرئيس جوكو ويدودو في العاصمة جاكرتا أمس، بالعلاقات السعودية - الإندونيسية، «شهدت زخماً مُقدراً بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز»، معتبراً أن العلاقات «تعد نموذجاً للتعاون المثمر الخيِّر، بين دولتين إسلاميتين محوريتين، تجسدان قيم الإسلام الخالدة، القائمة على السلام والتكافل، والأمن والأمان، والمساندة المتبادلة، معبرة عن قوة الترابط، وعمق العلاقات، والتقدير الكامل لمواقف دولتكم المشرفة، تجاه المملكة العربية السعودية». واعتبر في كلمته للفائزين في المسابقة أنهم باتوا «سفراء للأمة في دولهم، عزماً في أفعالهم، صدقاً في أقوالهم، فضلاً عن ذلك، قدوة في عملهم، سبّاقون إلى العِلم، وسطيون في العقيدة، راشدون في السلوك، ناشرون الثقافات النافعة، مؤدون عباداتهم، محسنون معاملاتهم، خلقهم القرآن، وقدوتهم رسول الرحمن، وهدفهم رفعة الأوطان، فلتجعلوا غايتكم تفكيك الفكر المتطرف، وكشف أباطيله، وزيفه وضلاله، حتى لا ينخدع به شبابنا أو يقعوا فريسة لهذه التنظيمات، بعيداً عن سلوك الذئاب المنفردة. وليكن ذلك هدفكم، وتلك غايتكم». ورأى أن مسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز لحفظ القرآن الكريم: «تحرص على تحقيق غايتين، هما: ربط الجيل الجديد بكتاب الله الكريم وسنة المصطفى، عليه الصلاة والسلام، وتقوية صلتهم بهما والاهتداء بأحكامهما والتخلق بآدابهما، فالحفظ والتدبر، والوعي والدراسة، والابداع والابتكار، مع العلم والعمل والإنتاج، هم السبيل إلى النهوض بالدول: اقتصادياً واجتماعياً، واللحاق بالركب الحضاري، والتقدم الإنساني». نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين فخامة الرئيس جوكو ويدودو، رئيس جمهورية إندونيسيا. أصحاب الفضيلة العلماء. أصحاب المعالي الوزراء. أصحاب المعالي سفراء الدول العربية والإسلامية. أصحاب السعادة مديري الجامعات والمعاهد الإسلامية. الإخوة والأخوات. السلام عليكم ورحمة الله قبل أن أبدأ خطابي، أتوجه بالشكر العميق، والتقدير، والإجلال، إلى الشعب الإندونيسي العظيم، الذي يضرب المثل في تحقيق أسمى الخصال والسمات، والعيش في وئام وسلام وإخاء، ويوجهون طاقاتهم للعمل والإنتاج، والتنمية والنماء شعب فاق تعداده 258 مليون نسمة، من 15 عرقاً، ويتحدثون العديد من اللغات واللهجات، ويعتنقون ديانات وعقائد مختلفة، وعلى الرغم من ذلك، يعيشون في انسجام وطمأنينة، من دون أحقاد وشحناء، ومن دون تكفير أو اعتداء. مخلصون لوطنهم، حريصون على أمنه واستقراره. إنهم، حقاً، أنموذج، لدول العالم الإسلامي، ينبغي أن يُحتذى. أدركوا أن الله خلق عباده أحراراً، وأن الإسلام كفل أسلوب الحوار المثمر المتسامح، والمعاملة الحُسنى، وعدم اللجوء إلى التكفير والاعتداء. نعم، إنهم شعب يجب أن يُحتذى. لذلك، كانت مسابقة الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود لحفظ القرآن الكريم والسنة النبوية على مستوى آسيان والباسفيك، مسابقة تحرص على تحقيق غايتين، هما: ربط الجيل الجديد بكتاب الله الكريم وسنة المصطفى، عليه الصلاة والسلام، وتقوية صلتهم بهما والاهتداء بأحكامهما والتخلق بآدابهما، فالحفظ والتدبر، والوعي والدراسة، والابداع والابتكار، مع العلم والعمل والانتاج، هم السبيل إلى النهوض بالدول: اقتصادياً واجتماعياً، واللحاق بالركب الحضاري، والتقدم الإنساني. الإخوة الحضور أتوجه بالتحية والتقدير إلى فخامة الرئيس وحكومته، وللشعب الإندونيسي العريق، لاستضافتهم فعاليات المسابقة في دورتها الثامنة، ولاهتمام فخامته، شخصياً، بتطويرها واتساعها لتضم 25 دولة من آسيان والباسفيك، فضلاً عن كرم الوفادة، وحُسن الاستقبال، كما أنقل تحيات مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية، وتقديرها لمساندتكم المميزة، لهذه المسابقة الرائدة. إن العلاقات السعودية الإندونيسية - وقد شهدت زخماً مُقدراً بالزيارة الكريمة لسيدي خادم الحرمين الشريفين لبلدكم الشقيق - تعد نموذجاً للتعاون المثمر الخيِّر، بين دولتين إسلاميتين محوريتين، تجسدان قيم الإسلام الخالدة، القائمة على السلام والتكافل، والأمن والأمان، والمساندة المتبادلة، معبرة عن قوة الترابط، وعمق العلاقات، والتقدير الكامل لمواقف دولتكم المشرفة، تجاه المملكة العربية السعودية. ما كان لي أن أقف متحدثاً إليكم في مثل هذه المناسبة العظيمة، من دون أن أشير إلى ما نحن فيه من بلاء وابتلاء، ومن دون أن أذكر مآسي التطرف في الفكر، والإرهاب في الفعل، خاصة وأنه يتبنى كثيراً من أطروحاته بدعوى الإسلام، والإسلام منه براء. وما يزيد من العجب، أن الإرهاب أصبح يضم بين جنباته أنماطاً متعددة من المؤيدين، الفقير والغني، المتعلم والجاهل، الشاب والمُسن، البعيد والقريب، الغربي والشرقي. وأضحى يمتلك أذكى الأسلحة والذخائر دقة، والأدوات والمعدات تدميراً، وصار بين أيديهم أحدث ما وصلت إليه تقنية المعلومات والاتصالات، مشكلين كتائب إلكترونية، وظيفتها التواصل بدءاً من الأطفال أولاً، ثم الشباب: ذكوراً وإناثاً، وهذا ما يركزون عليه ثانياً، ثم الرجال والشيوخ والمسنين، كتائب إلكترونية متطورة تستخدم علم النفس، وتنفخ سمومها، وفق أساليب علمية واحترافية. وبتنا نرى دولاً تحارب الإرهاب في العلن، وتسانده في الخفاء، أُناس تركوا أوطانهم وترعرعوا في دول مضيفة، ينقلبون عليها، وتكون تلك الدول من أُولى أهدافهم، وأُناس عاشوا وتربوا وتعلموا على أرض أوطانهم، فإذا هم أعداء لها، بل باتت أول أهدافهم، ولا يهم من يقتلون، ومن يعذبون، ومن يحرقون. وأضحى الشغل الشاغل لوسائط الإعلام جميعها، هو هذا البلاء المستطير: أخباره وجماعاته، تمويله وأتباعه، حتى غدا زعماء الإرهاب ورؤوسه كأنهم نجوم وأبطال أسطوريون، تتتبع المجتمعات أخبارهم الضالة المضلة، وتهتم بها. وقد سبق أن كتبتُ في مقدمة كتيب عن «الأمن الفكري» صدر عام 1430 من الهجرة النبوية الشريفة، الموافق للعام الميلادي 2009، عن فئات الإرهابيين تحديداً، لكي نستطيع مجابهتهم، وذكرت: ينبغي أن نضع تعريفاً واضحاً للمتطرف أو منحرف التفكير، الذي يتحول بالضرورة إلى إرهابي يهدد «الأمن الفكري» و«الأمن»؟ فهل هو من فجر نفسه، أو من فُجر عن بُعد؟ أم أنه اليد التي نفذت بمساعدة آخرين، لا يقلُون عنه جُرماً؟ وتتفق معظم الآراء على أن الإرهابي هو كل من أسهم في السلوك الإرهابي إسهاماً مُباشراً. والمُسهِمُون ستة. أولهم المفكرون أو المُنظرون. وثانيهم المُخططون. وثالثهم الممولون. ورابعهم المحرضون. وخامسهم المؤيدون والمتعاطفون. وسادسهم المُنفذُون. وهم من يقترفون التفجير والاغتيالات، إنهم الأدوات في أيدي المسهمين الخمسة السابقين. والسؤال: هل أسلوب مواجهة هذه الفئات الستة واحد؟ أم لكل فئة أسلوب يلائم خطرها؟ إن خطر الفكر المتطرف في العصر الحديث، أنه صار صناعة تقف وراءها جماعات مصالح، وسياسات دول، توظفه لخدمتها، ولو على حساب الدول الأخرى، واستقرارها وحياة شعوبها. وقد ذكر أحد العلماء الأفاضل، أن من أخطر أسباب التطرف والإرهاب، هو: الجهل وغياب الوعي الديني، لدى الفئات الست، إذ كتب: «إن مثلث الرعب الذي يواجه الأمم والشعوب هو الجهل، والفقر، والمرض. نعم... هذا هو المثلث الذي يمثل الخطر المعوق والمعرقل لتلكم الأمم وذلكم الشعوب، ولكن الضلع الأعظم خطراً هو الجهل». وهو ما ينبغي أن تواجهه المجتمعات والمنظمات، والدول والجهات المختلفة، بمثقفيها ومفكريها وعلمائها. إن أعظم أركان الجهل هو الجهل الديني، وانتشار الثقافات الدينية الجامدة، التي لا تنتج فكراً أو تقدم فقهاً، ولكن تنتج غلواً وتطرفاً، هما الحاضنة الأولى لصناعة الإرهاب، والإفساد في الأرض: إفساد الفكر وإفساد العقل. وقد سُئل أحدُ الحكماء الغربيين: أليس السبب في اتهام الإسلام بالإرهاب هو أن الغرب لا يفهم الإسلام ديناً، ولا المسلمين ديانة؟! فكانت إجابته: «لا»، المشكلة أن المسلمين أنفسهم لا يفهمون الإسلام، بعيدون عنه، وهم أكثر من يسيئون إليه. لأن الإرهاب يرتكز على فهم معتنقيه للدين، ومحاولة الاهتداء بالآية: «كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر». وللأسف أنهم لم يفهموا الآية الفهم الصحيح، ولم يدركوا شروط الأمر والنهي، ولا من له الحق في فرضهما. وقد بين المستنيرون من السلف الصالح، أن شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تتحقق إلا لمن توافرت فيه شروط ثلاثة: أن يكون فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً في ما ينهى عنه، رفيقاً في ما يأمر به، رفيقاً في ما ينهى عنه، حليماً في ما يأمر به، حليماً في ما ينهى عنه. ويشترط الإمام سفيان الثوري، التابعي المحدث، أن يكون الآمر أو الناهي: عالماً في ما يأمر به، علاماً في ما ينهى عنه، عدلاً في ما يأمر به، عدلاً في ما ينهى عنه، رفيقاً في ما يأمر به، رفيقاً في ما ينهى عنه. كما يُقتنع المتطرفون أنفسهم بوسطيتهم في الإسلام، مستشهدين بقوله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً». ويقفون بالآية عند هذا الحد، ويتغاضون عمداً عن حديث المصطفى: «إن الله لم يبعثني معنتاً، ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً»، وحديثه: «هلك المتنطعون» (قالها ثلاث مرات). والمتنطعون، كما تعلمون، هم: المتشددون في دين الله في غير مواضع التشدد، والملتزمون سُبل الغلو ودروب التكلف، والسابحون ضد تيار الاتزان والاعتدال الذي هو فطرة الله، وهم الذين ينفرون ولا يبشرون، ويعسرون ولا ييسرون، ويتركون هدياً قاصداً، ووسطاً محموداً، ويذهبون في الأمور فرطاً، ويقولون على الله شططاً. إن تجديد الخطاب الديني لم يعد هدفاً يمكن تأجيله، وإنما أصبح قضية أمن وطني، بكل ما تحمله من دلالات وتفسيرات وتأويلات، إذ باتت قصية أمن وأمان، وخوف واطمئنان، قضية قد تؤدي إلى استقرار ورخاء، أو فوضى وجهل وإساءة إلى الدين الواحد، «إن الدين عند الله الإسلام». الإخوة الحضور لقد جئت لألتقي شباباً، هم أمل الأمة الإسلامية، في تصحيح المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، وتوضيح محاولات التأويل الفاسد للنصوص الشرعية. شباب، سيكونون سفراء للأمة في دولهم، عزماً في أفعالهم، صدقاً في أقولهم، فضلاً عن ذلك، قدوة في عملهم، سبّاقون إلى العِلم، وسطيون في العقيدة، راشدون في السلوك، ناشرون الثقافات النافعة، مؤدون عباداتهم، محسنون معاملاتهم، خلقهم القرآن، وقدوتهم رسول الرحمن، وهدفهم رفعة الأوطان، فلتجعلوا غايتكم تفكيك الفكر المتطرف، وكشف أباطيله، وزيفه وضلاله، حتى لا ينخدع به شبابنا أو يقعوا فريسة لهذه التنظيمات، بعيداً عن سلوك الذئاب المنفردة. وليكن ذلك هدفكم، وتلك غايتكم. أهنئ من فاز وحصل على جائزة، ومن فاز ولم يحصل على جائزة، إذ كلاهما من الفائزين، فليس بخاسر من نذر وقته وجهده، وبذل طاقته في صحبة كتاب الله الكريم، وسنة رسوله الرحيم. في الختام، يسعدني أن أجدد الشكر والتقدير الخاص، لفخامة رئيس الجمهورية لرعايته هذه المسابقة، والعمل على تطويرها. كما أتوجه بتحية تقدير إلى كافة الأجهزة المعنية في الحكومة الإندونيسية، التي بذلت الوقت والجهد لحشد هذا العدد المتنامي من المتسابقين وتطوير فعاليتها تحقيقاً لأهدافها. كما أتوجه بالشكر لكل العاملين على شؤون الجائزة، في سفارة خادم الحرمين الشريفين، في جاكرتا، وفي المؤسسات الدينية في كلا البلدين. إن الله ينصر من ينصره، ينصر من: وضع الرحمة في قلبه، والحكمة في عقله، والتدبر في فِعله. وكل عام وأنتم بخير. والسلام عليكم ورحمة الله