يعشق سعوديون السيارات الكلاسيكية القديمة إلى حد الهوس، حتى تصدروا دول العالم في اقتناء النادر منها، وشرائها بمبالغ باهظة، فضلاً عن كلفة صيانتها المرتفعة، وحوّل بعضهم منزله متحفاً خاصاً لها، فيما أقام آخرون لها المعارض، بعدما تحولت من هواية مكلفة جداً إلى استثمار مربح. ولم يعد اقتناء أحدث السيارات هاجساً لدى السعوديين، بل أصبح ينصب على النادر منها، باعتباره تميزاً في حد ذاته. ومن خلال اقتناء تلك السيارات، يسترجع بعضهم ذكريات شبابهم مع سيارة تخلو من الكماليات الحديثة، لكنها تعد تحفة فنية، ونافذة على الماضي، تخطف الأنظار إليها أينما حلت. ولم يكن غريباً أن يكون استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في زيارته الأخيرة إلى الأردن في سيارة كلاسيكية من طراز «مرسيدس بنز» تعود إلى خمسينات القرن الماضي، كان يقتنيها الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، واستخدمها في زفافه، ما أثار إعجاب سعوديين بعدما جاء الاستقبال على غير ما عهدته البروتوكولات الرسمية في هذه المناسبات. ويعد السعوديون من أكثر الشعوب شراء للسيارات واقتناء النادر منها، وأشارت تقارير دولية إلى امتلاكهم أكثر من أربعة آلاف سيارة كلاسيكية تتجاوز كلفتها مئات الملايين من الريالات، وتحظى بشعبية واسعة بين فئات المجتمع كافة، وأصبحت من أبرز الاستثمارات المربحة. وتزايد اهتمام السعوديين بهذا النوع من السيارات، بعدما شهدت ارتفاعاً في أسعارها خلال السنوات الماضية، إذ أشارت تقارير دولية إلى أن عائد الاستثمار في السيارات الكلاسيكية أصبح خلال السنوات العشر الماضية مربحاً أكثر من الصناديق الاستثمارية بأضعاف. ومن أبرز هواة هذه المركبات، إسماعيل الناظر، الذي حول جزءاً من منزله إلى متحف لعشرات السيارات، بعضها يعود إلى القرن التاسع عشر، وبعضها كانت تخص شخصيات عالمية، مثل ملكة بريطانيا إليزابيث، وأخرى قيل إنها تعود إلى هتلر. ولا يعد الناظر، الذي يطلق عليه في المزادات العالمية «العربي المجنون»، لإصراره على اقتناء تلك السيارات مهما بلغ ثمنها، الوحيد المصاب بهذا «الهوس»، إذ دفع الشغف بها رجل أعمال من بريدة إلى الإصرار على شراء سيارة «أوتكار» نادرة، أمضى سنوات في البحث عنها، ليعثر عليها أخيراً عند مُسن أميركي، واشتراها منه بنصف مليون ريال، وعرضها داخل صالة مغلقة ومكيفة، وخصص لها ميكانيكياً لصيانتها، ورفض عروضاً كثيرة لبيعها، لندرتها. وعلى رغم الكلفة الباهظة لتلك السيارات، لكن تبقى دائماً في حاجة إلى الرعاية والصيانة لندرة قطع غيارها، ما قد يجعل سعرها يفوق نظيرتها الحديثة، وهو ما يكلف مالكها عناء في العثور على قطع تلائم هذا النوع، ويضطر إلى السفر إلى دول عدة. ونظم الاتحاد السعودي للسيارات والدراجات النارية، وهو عضو في الاتحاد الدولي للسيارات الكلاسيكية، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، معرضاً لها في الرياض، شاركت فيه أبرز السيارات الفارهة، التي تمثل شركات رائدة في تلك الصناعة على مستوى العالم. وأسس سعوديون هواة في العام 2010 «النادي السعودي للسيارات الكلاسيكية»، بهدف جمع هواتها في السعودية والخليج، وتنظيم الرحلات والمعارض الخاصة بها، وتقديم المشورة إلى أصحابها، إضافة إلى توفير قطع الغيار وصيانة تلك السيارات. سعودي يعيد إلى الملك سلمان سيارة تاريخية أهدى السعودي عبدالرحمن العبري، الذي يملك متحفاً خاصاً للسيارات الكلاسيكية، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حين كان أميراً للرياض قبل أكثر من عشر سنوات، سيارة اسمها «دسمان» من طراز «بكب فورد»، صُنعت في العام 1955، وكان مالكها الملك سلمان نفسه، واشتراها العبري في العام 1994 ليعيد إحياءها من جديد بعدما توقفت، وشارك بها في مهرجانات تراثية عدة. ويضم متحف العبري للتراث والسيارات القديمة حوالى 100 سيارة قديمة، يعود بعضها إلى أربعينات القرن الماضي، بينها 50 سيارة لا تزال تعمل، فيما تحتاج البقية إلى الصيانة، وكانت السيارة «ديسمان» أغلاها. المعارض تغزو المدن السعودية وجوائز ل«أجمل سيارة» لا تخلو المهرجانات التراثية من عروض للسيارات الكلاسيكية وتشهد حضوراً كبيراً، إذ تحرص مدن سعودية على إقامة معارض سنوية لها، يتبارى فيها ملاكها على إبراز قدرات سياراتهم وندرتها، وبعضها تتخللها سباقات لتلك السيارات، ومنافسات على جوائز «أجمل سيارة». وتنظم منطقة القصيم حالياً «مهرجان السيارات التراثية والكلاسيكية الأول» في مدينة بريدة، وتعرض فيه حوالى 350 سيارة، وتشتهر المنطقة بالكثير من هواة تلك السيارات التي ضمت غالبية الشرائح العمرية. ويهدف المهرجان إلى التأكيد على عمق ارتباط السعوديين بهذه الهواية، وتحفيز ملاك وهواة السيارات الكلاسيكية والتراثية في المنطقة وبقية المناطق للمشاركة في المهرجان، وإبراز العنصر التراثي المميز للقصيم، وتسويقه محلياً وإقليمياً على مستوى الخليج العربي. فيما استقطب مهرجان «ربيع بريدة» في نسختة ال38 حوالى 70 سيارة كلاسيكية، عمر بعضها يفوق 90 عاماً. وكان عدد من زوار «مهرجان رالي حائل 2017» الذي أقيم أخيراً، أبدوا إعجابهم بعشر سيارات كلاسيكية عمرها 76 عاماً، حرصوا على التقاط الصور التذكارية معها، وأوضح مالكها المثنى الشمري أنه يملك أكثر من 35 سيارة كلاسيكية، يشارك بها في الفاعليات التراثية. وبدأت محافظة الدرعية قبل عام تنظيم مهرجان سنوي للسيارات الكلاسيكية، وشهدت نسختة الماضية مشاركة 600 سيارة، يفوق عمر بعضها 130 عاماً، جمعها أصحابها من داخل السعودية وخارجها. وتخلل المهرجان مزاد لبيع السيارات من موديلات 1885 إلى 1979 من دول عدة، ضمت بعضها سيارات نادرة على مستوى العالم. وشارك في النسخة الأولى من المهرجان العام الماضي 425 شخصاً من السعودية والعالم العربي.