لم يجد زمرة من أهالي منطقة مكةالمكرمة وسيلة تكفيهم شرور العين والحسد التي باتت تمثل هاجساً لكثيرين، سوى تخبئة مجموعة من التمائم والرقى في أساسات بناياتهم الأسمنتية، وسياراتهم، ومقار أعمالهم. وكشف مصدر مطلع في فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة ل «الحياة» رصد اللجان الميدانية بدعاً عدة تتعلق بوجود بدع وتمائم مختلفة مخبأة في أساسات بنايات أسمنتية، بغية طرد العين والشياطين عن أصحابها!. وقال المصدر: «إن خوف بعض المواطنين والمقيمين من زوال النعمة وتدمير ممتلكاتهم عبر العيون الحاسدة دفعهم إلى وضع أدعية وآيات قرآنية في مواقع غريبة مثل أسقف المنازل، وأساسات المباني وفي مقابض الأبواب، إضافة إلى رموز ومجسمات يتم وضعها في السيارات ومكاتب العمل». وأشار إلى أن اللجان الميدانية تكتفي بالمناصحة والإرشاد والتوجيه، «لأنها سلوكيات صادرة عن جهل بالثقافة الشرعية في قضايا العين والحسد، خصوصاً أن الدجالين يبدأون باستغلال قلق بعض النساء والرجال من حوادث العين بإيهامهم على قدرة هذه الطرق على التصدي لسهام العائن الشيطانية مقابل مبالغ مالية طائلة. وفي السياق ذاته، كشف عضو هيئة التحقيق والادعاء العام سابقاً الدكتور إبراهيم الأبادي ل «الحياة» وجود قضايا تتداولها المحاكم الشرعية حالياً في بعض مناطق السعودية، تتمحور حول تهمة الإضرار بالآخرين بسبب العين، مؤكداً صدور أحكام تعزيرية في حق مواطنين تورطوا في إصابة أشخاص بالعين من طريق العمد. وأوضح الأبادي أن قضايا العين والحسد تقع في دائرة اجتهاد القاضي بالاستناد إلى عقوبات بدائل السجون من منطلق التعزيرات، بعد أن يتم إلزام العائن بإصلاح الضرر للحق الخاص، ومن ثم إصدار عقوبات الحق العام. ودعا عضو هيئة التحقيق والادعاء العام إلى ضرورة إبلاغ الأجهزة الأمنية عن الشخص العائن في حال ثبوت مقدرته على الأذى بشهادة الشهود لاستيقافه وإحالة ملفه للقضاء لإصدار العقوبات التعزيرية الرادعة بحقه، ومن ثم إخضاعه لبرامج المناصحة الشرعية لإبطال مفعول العين السامة. وقال: «تعرضت شخصياً لأذى العين، حين أسهب شخص في الحديث عن سيارتي بإعجاب شديد، ورمقها بنظرات غريبة، ما تسبب مباشرة في انفجار إطارات السيارة في حينها في مشهد يستوجب تنظيم عقوبات لمثل هذه الحوادث التي قد تقتل أشخاصاً وتصيب آخرين بالأمراض». من جهته، قال عضو مجمع الفقه الإسلامي الدكتور حسن سفر ل «الحياة»: «إن العائن يحمل في تركيبته الشر أكثر من الخير، وهؤلاء يصيبون أصحاب السلطة والمال والوجاهة، إذ ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه إذا أصيب أحد بالعين فليأمر المصيب بالوضوء ثم يغتسل المصاب بمياه العائن، في حين لا أصل ثابتاً لإقامة صلاة الميت على العائن لإبطال مفعول العين في جسده». وأوضح عضو المجمع الفقهي أن العائن اكتسب صفته الشريرة من طريق الوراثة، التي تنتقل من الأب إلى الابن، معتقداً أن بعض العائلات في السعودية معروفة بقدح العين السامة وإصابة ذوي المال والسلطة عمداً أو من دون قصد. وحذر سفر من أساليب الرقية على المباني الأسمنتية وتعليق التمائم والمجسمات في مكاتب العمل، إضافة إلى ذر الخلطات العشبية والمياه المالحة على أبواب المنازل لطرد العين، من منطلق موروثات شعبية لا أساس لها في الشرعية، خصوصاً في بعض القرى والهجر التي تفتقد الثقافة الإسلامية في هذا الشأن. وأكد أن لولي الأمر الحق في إجبار العائن على الرحيل من منطقته إلى أخرى، إذ ثبت تعمده إيقاع الضرر بالآخرين، إضافة إلى إلزامه بمجالسة شيوخ الرقية لمساعدته في تخليصه من آفة العين السامة والإضرار بالآخرين. ودعا سفر إلى ضرورة تدخل وزارة العدل لإلزام القضاة في المحاكم الشرعية بإيقاع عقوبات بدائل السجون والتعزيرات على العائن، في ظل عدم وجود أنظمة حالياً لمحاكمة مثل هذه المخالفات والجرائم التي تصيب الآخرين بالضرر والموت.