رحل أمس أحد الرجال النادرين في ابتداع النجاح وابتكار أساليب الريادة والتواضع في تعميم إفادة الجماعة من الثروة، المهندس ورجل الأعمال اللبناني مارون طانيوس سمعان، عن عمر ناهز ال61 سنة بعد صراع مع المرض وحياة حافلة بالإنجازات الشخصية والعامة، وأبرزها أخيراً مساهمته بأكبر تبرع للجامعة الأميركية في بيروت في تاريخها، من دون اشتراط أي مكسب أو امتياز، سوى تحديث برامجها لتنافس الجامعات العالمية، وتعزز الثروة البشرية في المنطقة. وبنى سمعان منشآت كلية الهندسة الكيميائية في جامعة البلمند شمال لبنان عام 2015 على نفقته، وأسس برنامج منح طلابية كثيرة، وموّل مشاريع اجتماعية على الأراضي اللبنانية وفي الجنوب. تميز الراحل بالتعفف عن استخدام الثروة من أجل الطموحات السياسية، بكثير من البساطة، في بلد عج بالطامحين من منصة المال، إلى المواقع السياسية. فضل البقاء إلى جانب عائلته وركوب المبادرات الخلاقة، وتكريس وقته لهواية التوظيف في التعليم والرقي والنهوض بمنطقته الجنوبية وحماية إرثها التاريخي بترميم قديمها والتشجيع على البقاء في الأرض. نعته الجامعة الأميركية أمس، بعدما وافته المنية وهو في أحد مستشفيات بوسطن في الولاياتالمتحدة، في بيان تضمن نعي رئيسها الدكتور فضلو خوري، الذي قال إن الراحل «ميراث يستمر من جيل إلى جيل». وجاء في البيان: «فُجعت الجامعة الأميركية في بيروت برحيل عضو مجلس أمنائها وخريجها مارون سمعان الذي تبقى ذكراه حية في الجامعة، وتروى من جيل إلى جيل مآثره الخيرية وخدمته اللامعة التي لم تعرف حدوداً». وقال خوري:» كان مارون عظيماً ومتواضعاً. عمله وأثره سيتردد صداهما عبر العصور. وسننفّذ ما رغب به من خلال منهجنا المطوّر في الكلية التي تخرج فيها والتي ستحمل اسمه إلى الأبد. وسنتابع عمله الجيد بطرق مهمة أخرى أيضاً، وعلى خطاه، وسنحاول أن نستحق دائماً ثقته الوطيدة بنا». وأوضح بيان الجامعة أنها أطلقت اسم مارون سمعان على إحدى أكبر كلياتها وأنجحها إكراماً لرؤيويته وصداقته للجامعة، بعد أن تبرّع لها بأكبر منحة فاعلة في تاريخها، فأصبح اسم هذه الكلية «كلية مارون سمعان للهندسة والعمارة». كان مارون سمعان رجل أعمال ناجحاً و مؤثّراً في شكل مذهل. وكان رائداً في خدمة المجتمع ومواطناً ملتزماً. سخاؤه الخيري الملهم غيّر حياة أعداد لا تُحصى من البشر. وقدّم ومؤسسته، التي أنشأها عام 2011، دعماً حيوياً في مجالات التعليم والاستشفاء والرعاية الاجتماعية، مع التركيز على الشرق الأوسط». وأضاف مكتب الإعلام في الجامعة: «انتُخب سمعان لعضوية مجلس أمناء الجامعة الأميركية عام 2013. وخدم جامعته الأم بتميّز وتفان، واستخدم مهارته في الأعمال وحبه الكبير للجامعة كمنطلق لمساعدتها في سعيها لتحقيق طموحاتها الكبيرة ولتحقيق مستقبل أكبر تأثيراً والتزاماً». وقال رئيس مجلس أمناء الجامعة الدكتور فيليب خوري إنها «حزينة لخسارة طالبها وخريجها وعضو مجلس أمنائها ومِثالها ومُحسنها مارون سمعان، مشيرا إلى أنه «آمن بقوة بتأثير التعليم ودوره في إعداد المواطن القائد، وشغفه بالجامعة الأميركية في بيروت وخدمته إياها كانا من غير حدود. ومن الضروري أن يستمر ميراثه على مر العصور، وأن تتخرّج أجيال من المهندسين والمعماريين في الكلية التي تخرّج فيها، والتي باتت اليوم تحمل اسمه. آمن الراحل بقدرة التعليم على التغيير. وهو حصل على منحة دراسية مكّنته من الدراسة في الجامعة الأميركية فتخرج فيها عام 1977 بشهادة بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية ثم انتقل إلى الخليج لمتابعة مسيرته المهنية. وبعد التخرج، شغل العديد من المناصب القيادية في مجالات النفط والغاز والبنى التحتية والأشغال المدنية. ثم انضم عام 1991 إلى شركة «بتروفاك» وساعد في نموها من شركة صغيرة إلى لاعب دولي في صناعة هندسة النفط والغاز. كما شارك في تأسيس المنتدى العربي للبيئة والتنمية، وكان عضواً في مجلس أمناء الجامعة الأميركية في الشارقة. وبعد تبوّئه العديد من المناصب القيادية في «بتروفاك» الدولية، بما في ذلك رئيس مجلس إدارتها، تقاعد عام 2013، وصبّ جهده على ريادة الأعمال في مجال الطاقة المتجددة والاتصالات والعقارات. سخاء سمعان للجامعة الأميركية في بيروت كان استثنائياً، فدعم دائماً المنح الدراسية للطلاب، وزمالات الدكتوراه، والبحوث المبتكرة. وبالإضافة إلى ذلك، كانت مؤسسة سمعان واحدة من الشركاء الاستراتيجيين للجامعة في الذكرى السنوية المئة والخمسين لتأسيسها، وقدمت هدية كبيرة لمركزها الطبي (10 ملايين دولار)، فأطلقت الجامعة اسم والدي سمعان الراحلين، طانيوس وثريّا سمعان على مركز جراحة العيادات الخارجية. إضافة إلى المساعدات الطبية التي قدمها للمحتاجين وأصحاب الأمراض المستعصية. وفي 16 كانون الثاني (يناير) 2017، في حفلة إطلاق حملة BOLDLY AUB للريادة والابتكار والخدمة، تحدثت نور، ابنة مارون سمعان عن إيمانه بتأثير وضرورة خدمة الإنسانية من خلال العمل الخيري. وقالت: «والدي كان يتساءل دائماً كيف يمكن شخصاً ما أن يهنأ بالنوم على وسادته، فيما يعجز أحد جيرانه القريبين أو البعيدين عن تغطية نفقاته. هدفه الأساسي كان توفير بيئة مناسبة للطلاب والباحثين عن المعرفة. وطموحه كان ضمان توفير الرعاية الطبية، وتشجيع مشاريع التنمية حيث الحاجة، واعتبر ذلك مساهمته في إضاءة شمعة في ظلام الشرق الأوسط». وختم البيان: «تجمع أعضاء هيئة التدريس في كلية مارون سمعان للهندسة والعمارة وطلابها أمس لتحية هذا العملاق الذي سيستمر في إلهام هذا الجيل والأجيال القادمة بإرثه من القيادة العميقة والخيّرة». ينتظر أن يصل جثمان الراحل إلى بيروت آخر الأسبوع، على أن يقام الجناز والصلاة على جثمانه الأحد 7 أيار في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في قلب بيروت، الواحدة بعد الظهر، ويدفن في مسقطه بلدة دردغيا في الجنوب. وتقبل التعازي بدءاً من الساعة 10 صباح اليوم ذاته، ثم يومي الإثنين والثلثاء 8 و9 أيار من الساعة 11 قبل الظهر حتى السابعة مساء في صالون الكاتدرائية.