سيّرت حركة «حماس» مسيرات حاشدة من عشرات المساجد في مدينة غزة بعد صلاة المغرب أمس، احتجاجاً على العقوبات والإجراءات التي ينوي الرئيس محمود عباس اتخاذها لإرغام الحركة على التخلي عن حكم قطاع غزة. وتجمع الآلاف من انصار الحركة في ساحة المجلس التشريعي غرب المدينة، ورددوا هتافات ضد الرئيس الفلسطيني، ورفعوا لافتات ضد حكومة رام الله. وجاءت هذه المسيرات ضمن تحركات وتظاهرات نظمتها «حماس» في مدن القطاع ومخيماته المختلفة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية التي أعقبت قرار حكومة التوافق حسم 30 الى 70 في المئة من رواتب موظفيها في القطاع، ثم وقف دفع السلطة ثمن الكهرباء التي تزود بها إسرائيل الى قطاع غزة البالغة 125 ميغاواط. ومن بين الاجراءات والعقوبات التي ينوي عباس اتخاذها، وقف تمويل شراء المياه من إسرائيل، وتقليص موازنات الصحة والتعليم وغيرها الى أدنى مستوى ممكن. وفي وقت كانت الفصائل الفلسطينية منشغلة بدعم وإسناد 1600 أسير فلسطيني مضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية منذ 13 يوماً على التوالي، أولت الحركة اهتماماً غير عادي بإجراءات السلطة والرد عليها. وانكب قياديو «حماس» في اجتماعات شبه متصلة، على البحث في خيارات وسيناريوات محدودة بين أيديها، أحدها جر إسرائيل الى حرب جديدة، قد تشكل لها طوق نجاة وهو خيار قاس جداً، أو تفعيل «أعمال المقاومة» في الضفة الغربية، «ما سينغص» على عباس حكمه الذي يواجه معارضة سياسية وشعبية متصاعدة، أو اللجوء الى التفاوض المباشر مع إسرائيل. وعلى رغم أن الحركة تعتبر أن التفاوض المباشر مع إسرائيل «ليس حراماً شرعاً»، إلا أنها لم تجرؤ على اتخاذ هذه الخطوة منذ أن شكلت الحكومة العاشرة برئاسة اسماعيل هنية غداة فوزها في الانتخابات التشريعية بأربعة وسبعين مقعداً من أصل 132 في 25 كانون الثاني (يناير) عام 2006. ومع أن هنية سمح لوزرائه، وكلهم من القيادات، بعد أشهر على تشكيل حكومته، بإجراء «مفاوضات تقنية» مع نظرائهم الإسرائيليين، إلا أن ذلك لم يحصل، وظلت المفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء. واذا كان بدا الأمر شبه مستحيل قبل عشر سنوات، فإن المعضلات والأزمات التي وجدت الحركة نفسها ومعها مليونا فلسطيني غارقة فيها، ربما تضطرها لفتح قنوات اتصال مباشرة لتسيير مناحي الحيوية المختلفة لمنع انهيار حكمها، ومنع انتفاضة شعبية من أهالي القطاع ضدها وهو الهدف من تلك الإجراءات الاستثنائية. في هذه الأجواء، حذرت «حماس» إسرائيل من الموافقة على طلب السلطة الفلسطينية وقف دفع فاتورة كهرباء القطاع. ووصف الناطق باسم الحركة حازم قاسم أمس قرار السلطة بأنه «خطير ويعبر عن مدى اللامسؤولية الوطنية واللاأخلاقية، وسيؤدي للانفجار في وجه كل من يشارك في الحصار المفروض على القطاع». وألقت إسرائيل، التي تراقب بدقة تطورات الوضع في القطاع، بجزرة للحركة لإخراجها من أزماتها. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان في تصريح إنه في حال «تخلت حماس عن بناء الأنفاق والصواريخ، فسيتم فتح معابر غزة وفك ضائقة القطاع وصولاً الى بناء ميناء». وشدد على أن إسرائيل «غير معنية بدخول حرب مع حماس في غزة طالما الأمور هادئة، لكن اذا فُرضت الحرب فستكون صعبة والأشد، وستتم تصفية قادة حماس السياسيين والعسكريين». وأشار الى أنه في حال وقعت حرب رابعة، فلن تكون طويلة كالحرب الأخيرة عام 2014، التي دامت 50 يوماً، بل ستكون أشد إيلاماً». وقالت الإذاعة العبرية إن وزارة الدفاع الإسرائيلية تعمل على إعداد خطة لتوسيع معبر بيت حانون «ايرز» شمال القطاع تشمل مد سكة حديد من أجل تسهيل إدخال البضائع ومرور الأفراد. في السياق ذاته، التقى رئيس إدارة المعابر البرية في وزارة الدفاع الإسرائيلية الدرزي كميل أبو ركن رؤساء الكيبوتسات (القرى التعاونية) المحاذية لقطاع غزة، وأطلعهم على تفاصيل الخطة التي ستنفذ بتمويل دولي لتوسيع حاجز «ايرز» لنقل البضائع بواسطة قطار. لكن رئيس الحكومة السابق أيهود باراك ذهب الى الدفاع عن عباس في وجه «حماس»، وقال إن الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتانياهو «تحاول زعزعة السلطة» التي في حال انهيارها «ستحل محلها حماس وهذه مريحة أكثر لليمين. حماس ستأتي ومعها صواريخ على كفار سابا» المجاورة تماماً لمدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية. وقال الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية في صحيفة «هآرتس» العبرية تسفي برئيل ان «مليوني مواطن يعيشون في الظلام في غزة. هذا ليس تعبيراً مجازياً لغياب افق سياسي، بل واقع مرير يضاف الى الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع». واعتبر أن عباس يقدم اجراءاته تجاه القطاع «عربوناً» للقائه الرئيس دونالد ترامب الأربعاء المقبل.