أدلى الناخبون الفرنسيون أمس بأصواتهم في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة، في سباق يهزّ أركان الحياة السياسية التقليدية في البلاد، ويُعتبر امتحاناً آخر للمدّ الشعبوي في العالم، وتصويتاً على مستقبل أوروبا. ونشرت السلطات أكثر من 50 ألفاً من عناصر الشرطة والدرك، مدعومين بوحدات قوات خاصة من أجهزة الأمن الفرنسية، لحماية 66 ألف مركز اقتراع، بعدما قتل مسلح شرطياً بالرصاص وجرح آخرين في جادة الشانزليزيه وسط باريس الخميس الماضي، قبل ان تقتله الشرطة. وانتخابات الرئاسة هي الأولى التي تنظمها فرنسا في ظل حال طوارئ، فرضتها بعد مجزرة باريس التي اوقعت 130 قتيلاً في تشرين الثاني (نوفمبر) 2015. واختار حوالى 47 مليون ناخب فرنسي، مرشحَين لخوض الدورة الثانية في 7 ايار (مايو) المقبل، من بين 11 مرشحاً، في اقتراع يترقّب العالم نتيجته بقلق، بوصفه مؤشراً الى انحسار تصاعد المدّ الشعبوي، أو استمراره، علماً انه أدى الى تصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي وانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة. وأبرز المتنافسين اربعة، هم مرشح الوسط إيمانويل ماكرون ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن ومرشح اليمين فرنسوا فيون ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون. وتصدّر ماكرون ولوبن استطلاعات الرأي، لكن فيون وميلانشون قلّصا الفارق اخيراً، على رغم أن المرشح اليميني واجه فضيحة وظائف وهمية. وسيشكّل تأهل ماكرون ولوبن الى الدورة الثانية تغييراً جذرياً في المشهد السياسي، اذ إنها لن تشمل أيّ مرشح من الحزبين الأساسيَين اللذين يحكمان فرنسا منذ عقود، علماً ان مرشح الحزب الاشتراكي الحاكم بنوا هامون يتخلّف بفارق ضخم في استطلاعات الرأي. وقال جيروم فوركيه من معهد «إيفوب» لاستطلاعات الرأي: «لن يكون الانقسام تقليدياً بين اليسار واليمين، بل صداماً بين رؤيتين للعالم». وعلى رغم أن لوبن وميلانشون يمثلان نقيضين سياسياً، إلا انهما قد يخرجان فرنسا من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو المشتركة، في خطوة قد تشكّل نهاية للاتحاد. وإذا تأهل أيّ منهما الى الدورة الثانية، فسيُعتبر ذلك نصراً للشعبوية التي جسّدها ترامب في الولاياتالمتحدة و «بريكزيت» في بريطانيا. اما ماكرون وفيون فيلتزمان الوحدة الأوروبية والعمل لإصلاح قواعد العمل. وقال وزير المال الألماني فولفغانغ شيوبله: «ليس سراً أننا لن نهلّل كثيراً إذا أسفرت نتيجة عن دورة ثانية بين لوبن وميلانشون». ونبّه الى أن الانتخابات الفرنسية تمثّل خطراً على الاقتصاد العالمي. وقال جيمس شيلدز، وهو أستاذ للسياسة الفرنسية في جامعة أستون في بريطانيا: «انتخاب لوبن أو ميلانشون سيضع باريس على طريق صدام سريع مع (مسؤولي الاتحاد الأوروبي في) بروكسيل. انتخاب لوبن سيجعل انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يبدو أمراً هامشياً بالمقارنة». وعزّز هجوم الشانزليزيه هاجس الأمن خلال التصويت، اذ اعلنت وزارة الداخلية الفرنسية إخلاء مركز اقتراع في بلدة بيزانسون شرق البلاد، بعد اكتشاف سيارة مسروقة ومحركها دائر وتحمل لوحة أرقام مزيفة، من دون وجود سائقها، أثناء إدلاء الناخبين بأصواتهم. لكن الناخبين استأنفوا الاقتراع لاحقاً. وأعرب ناخبون عن قلقهم على مستقبل فرنسا، وإحباطهم من الحملات الانتخابية للمرشحين. وقالت ناخبة في باريس: «لا أعرف إطلاقاً لمَن سأصوّت. إنها كارثة. سأدلي بصوتي فقط لأنني يجب أن أفعل ذلك». لكن ناخباً تحدث عن «تصويت مهم»، وزاد: «نحتاج الى تغيير في البلد، مع كل الصعوبات التي نواجهها والإرهاب». وكان لافتاً أن فيون صوّت في باريس، فيما اقترعت زوجته على بعد 250 كيلومتراً منه. اما الرئيس المنتهية ولايته فرنسوا هولاند فصوّت في معقله في تول، جنوب غربي فرنسا، معتبراً ان افضل رسالة توجّهها الانتخابات هي «اظهار أن الديموقراطية اقوى من أي شيء»، من خلال الاقتراع. ولفت الى ان التدابير الأمنية المُتخذة هدفها «ضمان حق أساسي للشعب الفرنسي في اختيار مستقبله». وكان الناخبون في الأراضي الفرنسية ما وراء البحار، والمقيمون في الولاياتالمتحدة وكندا، استكملوا الإدلاء بأصواتهم السبت، وذلك لكي لا يتأثر ناخبو الخارج بنتائج اقتراع ناخبي الداخل. وفي مونتريال، انتظر الناخبون ثلاث ساعات في طابور امتد لأكثر من كيلومترين. وبقيت نتائج اقتراع الناخبين في الأراضي الفرنسية ما وراء البحار سرية، الى ما بعد إغلاق مراكز الاقتراع في فرنسا مساء أمس.