عبّرت المغنية والممثلة الأميركية باربرا سترايسند عن غبطتها، لأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لم تُنتخب أول «رئيسة» للولايات المتحدة، وإلا (وهنا الزبدة) لوقع على عاتقها ومعها بنات جنسها، مسؤولية الأزمة الاقتصادية الراهنة، فالأغلب لو حصل وفازت المرأة، أن الإدارة الأميركية السابقة التي امتدت لثماني سنوات، وتسببت في أزمات العالم لن تُحمّل مناحة التدهور المالي، ولكننا سنسمع من يقول: «خذوا فالكم من نسائكم»، واقتناعاً بمنطق باربرا، لم لا يكون السؤال كالآتي: من فاز بالرئاسة هو رجل، فهل نعتبره إذاً مسؤولاً عن الأزمة؟ طبعاً سيختلف الجواب، وسيعاب علينا أن دخلنا في هذا المأزق غير الموضوعي السخيف، فأوباما ورث العقدة، وعليه يقع حلها فقط، وهنا أفلا يحق لنا أن نسأل: لم سيكون الانطباع إذاً في حال فوز هيلاري «هذا ما جانا من الحريم»؟ يأخذ عليّ بعض القراء تحاملي على الرجل في تحليلي، فإلى لائمي أضيف: حصل أن كان لدي وقت يكفي لمحاولة فهم عقلية الرجل وسبر أدغالها، فإشكالية الرجل المزعجة أنه لا يفهم نفسه، ولا يعنيه في أحيان كثيرة أن يفهمها، فدوافعه ورغباته أكبر أهمية لديه من الوقوف عند أسبابها، فهو لو عرف، قد لا يروقه ما سيعرف، فيحرج، إما أن يمضي معترفاً بما عرف ومقراً به، أو أن يمتنع فلا يتقدم إن كان الاعتراف لا يرقى لمستوى مبادئه وقناعاته، فتراه لا يحب أن يعرف، فما المانع أن يأتي من يعرف عنه؟ ألسنا جميعاً على سطح السفينة؟ كثير من الرجال يحجبون أعينهم بأيديهم أمام الحقائق، ومهما بلغ من احتمالهم للوضع القائم وتعرضهم له، فقد لا ينطقون الكلمات التي يجب، ولا يتخذون القرارات التي تجب، فمجرد التفكير في التغيير يقلقهم، ويفضلون عليه سير الأمور على علاتها حتى تصفعهم النتيجة، وعندها قد يتحركون لإصلاح ما أمكن، وقد لا يفعلون، معللين استهتارهم وضعفهم بالقدر المكتوب، فإن تحركوا فقد يفعلون بلا حماسة، ولكن رفعاً للعتب والتأنيب، فإن تفشى السوء وتضاعف، رأيت الرجل متأسفاً، يتلفت يميناً وشمالاً، وكأنه قام بدوره أصلاً، ثم يأتي من يلومني في لومه! وسؤالي الذي لا يملك إجابته الا هو: لم الولع بإهمال النتائج؟ فعند تأمل التاريخ بحروبه وعلاقاته وقضاياه، أجد أن ما تفاقم واستحق التدوين، كان من الممكن أن تقل درجة خطورته، فتتبدل حصيلته لو حظي التفكير به بحس المسؤولية والالتزام الضميري، ولا أدري هل هي عنجهية الرجل في عدم التحسّب والحذر، على اعتبار أن لا شيء يوقفه، ولا شيء إلاّ ويقدر عليه؟ أم هي اندفاعية هوجاء فطرية في تركيبته لا يناقشها ولا يقاومها؟ أم هي الأم التي لم تحسن الزرع؟ فمما يبدو أن ما يخيف الرجل لا يعدو اجتيازه خطوة لتنفيذ فكرة بلا تمحيص، أو التلفظ بكلمة من دون تدبير. الرجل يتمتع بعقلية لا تتعلم من الدروس، ولا يدركها الإعياء من تكرار الأخطاء، بل قد تكون مادته للتباهي الذكوري، وكل حماقات الرجال ويتحدث عنها التاريخ، ولا تزال إلى يومنا تتكرر، ولو كان للمرأة نصيب منها، لحكي في مصائب النساء وفتنتهن، ومن يمشي خلفهن وأمامهن، ثم أكتفي بوصف الرجل بكلمتين: «لم يوفق»، وباقي «اللت والعجن» هو تزيين وتبرير لعدم التوفيق هذا، وكأن إخفاقه استثنائي! وكأن التوفيق هو الأساس في حكاية الرجل! فهل يكون دوستويفسكي في تحفته الخالدة «الجريمة والعقاب» محقاً بقوله: «الرجال لا يستثيرون إلاّ الشفقة، ولا يستحقون إلاّ البكاء من أجلهم، وليس إصدار الحكم عليهم»؟ وللإنصاف لولا رجال هم «الرجال» لخربت، ولولا أن محيط الشر وتأثير التقهقر العقلي أسرع دماراً، لكان نصيب الخلق من قوة العقلاء وطيبتهم وحكمتهم هو الأوفى في قصة الدنيا. [email protected]