في العراق وخارجه يتحدث الجميع يومياً تقريباً عن ما بعد الموصل. الحملة العسكرية طالت لأشهر عدة وتجاوزت وعد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بأن قواته ستستعيد المدينة من قبضة تنظيم داعش قبل نهاية 2016. لكن مصير المعركة العسكرية على رغم التأخر محسوم، فالعراق حشد عشرات الآلاف من قواته لهذه المعركة وفي طليعتهم قوات النخبة من جهاز مكافحة الإرهاب، كما أنه يتمتع بدعم عسكري مباشر جوي واستخباراتي من الولاياتالمتحدة وحلفائها وكذلك تدعمه إيران. وقد تحسنت علاقته أخيراً في شكل ملحوظ وبمحيطه العربي. وإذا كان الكل يسأل عما بعد الموصل فإن هناك ما يشبه التوجه لانتظار الإجابة من الآخرين، فالحكومة العراقية والتي قد ينتظر المراقب منها أن تقود جهداً سياسياً منهجياً من أجل التأسيس لوضع جديد يستوعب الجميع ويقود للاستقرار في الموصل تبدو مجرد طرف من الأطراف التي تحذر من احتمال عودة تنظيم داعش باسمه أو بأسماء أخرى. في المقابل وحتى قبل أن تنتهي الأعمال العسكرية على شوارع الموصل القديمة وأزقتها الضيقة تتصاعد الخلافات بين العرب والكرد حول أكثر من ملف في مقدمها مدينة كركوك المتنازع عليها. فيما ما زالت جبهة الأحزاب التي تمثل العرب السنة مشتتة على رغم أنها اجتمعت في لقاء نصف سري ونصف علني في أنقرة أخيراً لكنها لم تخرج بجديد لجمهورها الذي يعاني على أكثر من صعيد. جارا العراق القويان إيرانوتركيا أيضاً لا يبدو أنهما في مزاج داعم لتسوية شاملة في العراق. فعلى رغم التحسن النسبي في علاقة بغدادوأنقرة إلا أن الأتراك لم يسحبوا قواتهم من شمال العراق في بعشيقة قرب الموصل، وهم اليوم في موقع المتأهب للدفاع عن مصالحهم ضد تهديد حزب العمال الكردستاني وحلفائه، وهذا بالنسبة لأنقرة هو الخطر الأول لحماية أمن تركيا القومي. بالتالي لن تقبل تركيا بأي وضع محلي مستقبلي للموصل لا يكون فيه لحلفائها دور أساسي. أما إيران التي يشمل نفوذها الأحزاب الشيعية بل ويمتد لأكثر من ذلك في العراق فتنظر بدقة للإدراة الأميركية الجديدة ونياتها تجاه طهران. فالعراق ومن ضمنه الموصل سيكون أول المتأثرين بأي مواجهة إيرانية- أميركية. ولكن هل هناك سياسة أميركية جديدة تجاه إيران؟ الجواب هو لا حتى الآن على رغم شدة لهجة تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأركان إدارته ضد طهران. وقد كان من المفاجئ أن يطرح ترامب علناً السؤال عن الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة سلفه أوباما مع طهران أثناء استقباله للعبادي في البيت الأبيض، ولكن بصيغة التساؤل حول سبب الاتفاق وشكواه من أن أحداً لم يعرف الإجابة. إذن ترامب وإدارته ما زالوا في مرحلة وضع الأسئلة لا تغيير الاستراتيجيات. وإذا كانت هذه هي حالة العوامل الدولية والإقليمية المهمة فإن المعادلة الداخلية العراقية لا تبدو متوازنة وليس فيها جواب عن سؤال ما بعد الموصل، بل هي لم تجد جواباً عن سؤال سقوط الموصل من الأساس. فبعد مرور أكثر من عام ونصف على صدور تقرير أعدته لجنة برلمانية عراقية يستمر إهمال الموضوع، إذ لم يجرى أي تحقيق مع أي من المسؤولين الذين وجه التقرير اللوم إليهم وفي مقدمهم رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ومحافظ نينوى السابق اثيل النجيفي. بل إن العكس تقريباً هو الصحيح فهؤلاء ما زالوا في موقع التأثير على مرحلة ما بعد الموصل. المالكي يتزعم كتلة برلمانية كبيرة ويستند إلى علاقة وثيقة مع إيران، بينما أثيل النجيفي وشقيقه نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي يمثلان الزعامة الأكبر في الموصل مدعومين بعلاقتهم الوثيقة مع تركيا ومع رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني. الجواب عن ما بعد الموصل سيبقى ملتبساً، فالفشل في حل أسئلة الماضي لن ينتج إجابات صحيحة بل سيستمر في إنتاج الأزمات.