بيت شباب (لبنان) - أ ف ب - في محترف متواضع داخل معهد للمعاقين، يجلس بشارة الذي أفقدته الحرب اللبنانية القدرة على المشي، ست ساعات يومياً على كرسيه المتحرك ساعياً الى بث الحياة في ملاءات من قماش عبر رسوم وألوان يخطها بتأنٍ، ليصنع منها هدية قيّمة تقدم في عيد الميلاد. ويأمل بشارة، وهو واحد من كثيرين أصيبوا بإعاقات جسدية خلال خوضهم القتال في سنوات الحرب الأهلية (1975-1990)، بأن تساهم أعماله الفنية في إضفاء البهجة على فترة الأعياد، في وقت تعيش البلاد مرحلة سياسية صعبة. ويقول بشارة (53 سنة) في «المعهد اللبناني للمعاقين» في بيت شباب (24 كيلومتراً شرق بيروت): «نعرض للبيع أعمالاً فنية قيمة مشغولة يدوياً لتقدم كهدايا في عيد الميلاد الذي نأمل أن يجلب معه خيراً للبنان ويجنبه الدخول في حرب جديدة». وأصيب بشارة الذي لم يتزوج بعد «لأسباب مادية»، برصاصة في ظهره عندما كان في التاسعة عشرة من عمره أثناء قتاله في صفوف إحدى الميليشيات، ما تسبب له بشلل نصفي. ودخل الى مستشفى بيت شباب عام 1976 حيث تعلم مهنة الرسم على القماش واحترفها، وبات اليوم يعيش منها، وإن في شكل متواضع. ويقول: «بعد إصابتي، قررت عدم الاستسلام لليأس (...). فالله يعطينا من الضعف قوة». وعلى رغم مرور عشرين سنة على انتهاء الحرب الأهلية، يبقى اللبنانيون مسكونين بهاجس تجدّدها. ويقول جهاد الذي أُصيب عام 1985 بطلق ناري في ظهره أصابه كذلك بشلل نصفي: «نحتاج الى أن نستبدل السلاح بشيء يعطي نتيجة أفضل»، مضيفاً: «لا نريد العودة الى الطائفية». ويوضح: «لم أكن أميز بين مسلم أو مسيحي حتى وقعت الحرب وانجررنا إليها، واليوم عاد التقارب بيننا، فلم العودة الى الوراء؟». ويؤمّن «معهد بيت شباب» والمستشفى التابع له المأوى ومركز العمل لعدد من الذين أصيبوا في الحرب بإعاقات دائمة. وينتج هؤلاء على مدار السنة أعمالاً فنية متنوعة مثل القماش المطرز والملون والشمع والبورسلين لمناسبات مختلفة. ويقول رئيس المستشفى الأب بديع الحاج إن «عدد الموجودين حالياً في المركز الذين تعود إصاباتهم الى الحرب الأهلية 14، وهناك أشخاص أصيبوا في حروب أخرى خضعوا للتأهيل وغادروا». ويساعد متخصصون المعاقين «في التعرف الى معاني الحياة الحقيقية»، كما يقول الحاج، موضحاً أن «الفرد هنا يتعلم أن الحياة ليست قصة جسم قوي أو حمل سلاح». كذلك يتدرب المقعدون على التأقلم مع إصابتهم والتعامل مع تفاصيل حياتهم اليومية، مثل الانتقال من الكرسي الى السرير والاستحمام. في محترف تصنيع الشمع، يقول جهاد وهو يحمل شفرة يصنع بها حمامة من الشمع ترمز الى السلام، إن «هذا الفن بديل عن عنف لم نعد نؤمن به بعد الإصابات التي ابتلينا بها». وإذا كان معظم الموجودين في معهد بيت شباب يؤكدون أن السياسة لم تقدم لهم إلا البلاء، فهذا لا يعني انهم تخلوا نهائياً عن أفكارهم السياسية. ويقول عبدو (47 سنة) الذي يصنع فناجين قهوة وصحوناً وأواني أخرى من البورسلين: «ما زلت أؤيد الفريق نفسه الذي كنت أؤيده قبل الحرب وخلالها». ويضيف عبدو الذي أصيب عام 1983 برصاصتين أثناء مشاركته في معركة: «ظننت بعد إصابتي أنني سأعيش لأربعة أو خمسة أشهر ثم أموت، لكنني وجدت أن الحياة تطول وأن العمل متعة». وتتطلع ماري خوري (44 سنة) الى أن تبيع بعضاً من لوحاتها خلال فترة الأعياد «التي تدق ناقوس الخطر» هذه السنة على حد تعبيرها. وتعبر عن فخرها باللوحات التي رسمتها على رغم إعاقة جسدية تمنعها من المشي وتحريك يديها. وتقول وهي تضع بريشتها اللمسات الأخيرة على لوحة لبيت قديم: «يظنون أن الحرب لعبة، لكنها ليست كذلك أبداً، العنف لا يأتي أبداً بنتيجة. هذا ما تعلمناه».