يطلق الصادق المهدي غداً السبت في الخرطوم كتابه الجديد «ميزان المصير الوطني في السودان»، وتنشر «الحياة»، بإذن من المؤلف، بدءاً من اليوم، فصولاً من الكتاب الصادر عن «مكتبة جزيرة الورد» في القاهرة. ويأتي الكتاب في مرحلة حرجة قبل أسابيع من استفتاء جنوب السودان حول الانفصال والوحدة، متضمناً جذور أزمة هوية الجنوب المتداخلة مع التكوين المتنوع للجماعات المندرجة في الدولة السودانية الحديثة، ذلك التنوع الذي لم يحظَ باهتمام كافٍ من الحكومة المركزية في الخرطوم حين اعتبرت الثقافة العربية – الإسلامية محوراً جاذباً لسائر الثقافات الحاضرة عميقاً لدى جماعات كثيرة في السودان، وأن هذا المحور سيذوّب المختلفين في إطاره، عاجلاً أم آجلاً. ويبدو أن زعيم حزب الأمة الذي نال الغالبية في انتخابات سودانية عدة، يتلقى انتقادات من أهل السلطة كما من مؤيدي الانفصال الكثر في الجنوب، وهو يرى في العصبيات القائمة رد فعل على النظامين الشموليين، المايوي (جعفر نميري) والإنقاذي (عمر حسن البشير وحسن الترابي، ثم البشير وحيداً)، اللذين حكما أكثر من ثلثي عمر السودان المستقل. بعد انقضاء عهد نميري وقيام حكومة ديموقراطية كان الصادق المهدي متحالفاً مع مجموعات سياسية إسلامية قررت العمل وفق مبادئ ثلاثة: - أن يكون التشريع بوسائل ديموقراطية. - أن يراعي التطبيق مستجدات العصر، بموجب اجتهاد جديد. - مناقشة الأمر مع المواطنين من غير المسلمين للاتفاق على حفظ حقوقهم الدينية والمدنية. لكن انقلاب حزيران (يونيو) 1989 الذي قاده البشير والترابي قطع التحالف ومبادئه، لذلك يركز الكاتب على سلبيات حكم «الإنقاذ» التي نفّرت أهل الجنوب ومناطق سودانية أخرى، وربما تتحمل المسؤولية الكبرى في التقسيم الذي ينتظر السودان والسودانيين. يعرض الصادق المهدي روافد النزاع في الدولة السودانية الحديثة، في الداخل حيث التناقضات العائدة الى الثقافة أو فوارق التنمية أو العصبيات القبلية، وفي الإقليم حيث مصالح الدول المجاورة، وفي إدارة الدولة حيث سادت لفترة مديدة أنظمة ديكتاتورية، وفي وعي الطبقة الحاكمة الذي لا يرقى الى مستوى مسؤولية قيادة دولة كبيرة المساحة والسكان، وفي القوى الكبرى التي تدخلت، خصوصاً في الجنوب، وفي دول معادية مثل إسرائيل التي مدت يدها الى جنوب السودان وإلى بلاد أفريقية أخرى في سبيل محاصرة مصر وعرب شمال أفريقيا، في سياق الصراع العربي – الإسرائيلي المرير. ويحظى استفتاء الجنوب الشهر المقبل بثلاثة فصول من الكتاب تستقرئ ما ينتج هذا الاستفتاء من قضايا ومشكلات.