دفعت ظاهرة التحرش في السعودية في الآونة الأخيرة، مئات السعوديات إلى الانضمام إلى مراكز تعليم الفنون القتالية في المملكة، لتعلم للدفاع عن النفس، وتجنب الوقوع ضحايا لأصحاب النفوس الضعيفة، خصوصاً مع تفشي الجرائم وحالات السطو على المنازل والسرقة. وبدأت السعوديات ممارسة الألعاب الرياضية بعيداً عن أعين الرجال، إلا أن الإرادة والطموح دفعا بهن للانضمام إلى الأندية الرياضية ونجاح بعضهن في الوصول إلى الألعاب الأولمبية والمشاركة فيها. وشاركت جود فهمي بدورة الألعاب الأولمبية الأخيرة التي أقيمت في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية (ريو2016) في آب (أغسطس) الماضي في رياضة الجودو (وزن تحت 52 كيلوغراماً)، التي جاء اسمها ضمن قائمة مؤلفة من أربع فتيات سعوديات شاركن في ألعاب «ريو 2016»، سبقتها وجدان شهرخاني في الرياضة نفسها في أولمبياد لندن العام 2012. وبرزت أسماء سعودية في عالم الرياضات القتالية، منها مدربة الكاراتيه الحاصلة على الحزام الأسود مضاوي الحصين، وهالة الحمراني التي تعد أول سعودية تخوض غمار الملاكمة، وهي حاصلة على الحزام الأسود في المصارعة اليابانية، إضافة إلى شهادات خبرة في احتراف عدد من رياضات القوة والدفاع عن النفس. ومع انتشار ظاهرة التحرش، يرى البعض أن سن قانون لمحاربتها والمعاقبة عليها أصبح من الضرورات، خصوصاً مع التوسع النسبي في خروج المرأة السعودية إلى العمل ومشاركتها في الحياة العامة. وأوضحت الكاتبة السعودية ريم سليمان، أن إصدار قانون التحرش حل أكثر واقعية وأمن للنساء من تعلمهن رياضة الفنون القتالية، مشيرةً إلى أن قانون التحرش يفترض أن يسهم في ضبط المساحات العامة وحفظ المواطنين من الأذى، وأن تتم محاسبة كل من يتحرش بالسيدات. وأشارت مختصات أخريات إلى إقبال عدد كبير من الفتيات الراغبات في تعلم رياضات الدفاع عن النفس ومنها الكاراتيه والتايكوندو، وغيرها من الرياضات القتالية. وطالب عدد من السعوديات في وقت سابق، بضرورة تعلم الفتيات فنون استخدام السلاح في نوادٍ متخصصة تشرف عليها كوادر نسائية، وتقنينها في شكل يتوافق مع عادات المجتمع السعودي. ودعا عضو مجلس الشورى عبد العزيز العطيشان في وقت سابق إلى افتتاح نوادٍ رياضية نسائية في مدن المملكة كافة، على أن يخصص جزء منها لتعليم فنون القتال والدفاع عن النفس (الكاراتيه والجودو)، وعد تعليم المرأة الكاراتيه والدفاع عن النفس «مطلباً مشروعاً ولا يوجد أي محظور شرعي إذا تم في نواد للسيدات بإشراف وتدريب نسائي». وبيّن أن اختيار الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان وكيل رئيس الهيئة العامة للرياضة للتخطيط والتطوير، من شأنه تحقيق الهدف الاستراتيجي الأول الخاص بالرياضة في «رؤية المملكة 2030»، وهو زيادة عدد ممارِسات النشاطات الرياضية والبدنية في شكل منتظم (بمعدل مرة واحدة في الأسبوع على الأقل). وفي دعوة إلى تشجيع فتيات المملكة إلى تعلم هذه الرياضات، نشرت سعوديات عبر مواقع التواصل الاجتماعي (إنستغرام، وفيسبوك، وتويتر)، منشورات وتغريدات ومقاطع فيديو تظهر فتيات سعوديات يستعرضن خبراتهن وتجاربهن في مجال رياضة التايكواندو أو الكيك بوكسينك، وغيرهما من ألعاب القوى والدفاع عن النفس. يُذكر أن تعلم رياضات الدفاع عن النفس لها إيجابيات على المرأة على الصعيدين النفسي والجسدي، إذ يحرص بعضهن على ممارستها من أجل الحصول على قوام قوي ومتناسق أو دواع نفسية صحية، فيما ذكرت وسائل إعلام أن حوالى 400 سعودية يسعين إلى تعلمها بهدف حماية أنفسهن في حال التحرش. وواجه دخول المرأة السعودية عالم الرياضة والمشاركة في الألعاب الأولمبية، بعض العقبات، منها الالتزام بملابس تغطي كامل الجسد، ومواجهة قواعد صارمة في الفصل بين الجنسين، فضلاً عن موافقة ولي الأمر على السفر، ناهيك عن ندرة تراخيص الصالات الرياضية النسائية، لكن المرأة السعودية استطاعت المشاركة في الألعاب الأولمبية، بما لا يتعارض مع قيم الشريعة الإسلامية. وأثار رواد «تويتر» جدلاً واسعاً حول مشاركة المرأة السعودية في المحافل الرياضية الدولية للمرة الأولى في أولمبياد لندن، وتجدد الجدل في المرة الثانية بمشاركتها في «ريو 2016»، وانقسم مغردو «تويتر» بين مؤيد ومعارض، فشن بعضهم حملات ضد مشاركتها عبر إطلاق أكثر من وسم مثل «نساء الأولمبياد لا يمثلوننا» الذي كان الأكثر تداولاً في وقته، و«سعوديات في أولمبياد 2016»، «أنا ممارسة للرياضة» والذي حصد أكثر من 32 ألف تغريدة، وجاء وسم «رسمياً رياضة البنات بالمدارس»، بالتزامن مع إلزام الدولة تخصيص أندية رياضية للفتيات فيها. لكن المشاركة تحققت بعد شروط والتزامات فرضتها الهيئة العامة للرياضة على الرياضيات السعوديات، إذ ألزمت اللاعبات ضرورة وجود محرم (ولي أمر)، خلال أيام مشاركتهن في الألعاب الأولمبية، فضلاً عن الالتزام بالزي الشرعي (لباس محتشم) وفق ضوابط الشرع. وكانت نائب وزير التعليم لشؤون تعليم البنات السابقة نورة الفايز أكدت توجه المملكة إلى تطبيق مشروع الرياضة المدرسية للطالبات بشكل إلزامي، بعد اكتمال إنشاء الصالات الخاصة بهن في المدارس، لكنها أشارت إلى أن تطبيق التربية الصحية في مدارس البنات يحتاج مدربات مؤهلات، وتجهيزات مكتملة.