عشية استفتاء بعد غد على تعديلات دستورية تحوّل النظام رئاسياً في تركيا، وإجماع استطلاعات رأي على تقدّم جبهة مؤيّدي التعديلات، بفارق ضئيل لا يتجاوز نقطتين، يتعاظم حديثٌ عن النتائج «السياسية»، لا الدستورية، لإقرار هذا النظام أو رفضه. وكرّر النائب القومي المعارض أوميت أوزداغ أن الهدف الحقيقي من هذا النظام هو منح الرئيس صلاحيات مبطّنة لإصدار قرارات تنفيذية، ليتمكّن من إعادة توزيع تركيا إدارياً، وتقسيمها إلى 5 أو 7 أقاليم حكم إداري، تمهيداً لتسوية ملف الأكراد وإعطائهم إقليماً فيديرالياً في جنوب شرقي البلاد. وكان أوزداغ يعلّق على مقال نشره شكري قره تبه، مستشار أردوغان، ورد فيه أن إقرار النظام الرئاسي سيليه تعديل الحكم الإداري في تركيا، لافتاً إلى أنها «ستتأثر بالنموذج الصيني في الإدارة وحكم الأقاليم». ورأت المعارضة في هذا الطرح إشارة واضحة إلى «مشروع سياسي سري لتحويل تركيا فيديرالية، تحت ستار النظام الرئاسي». وأعادت مواقع إخبارية نشر تصريحات أدلى بها أردوغان عام 2013، ورد فيها أن «تركيا يجب ألا تخشى تجربة الحكم الفيديرالي»، علماً أن كلامه تزامن مع مساعي المصالحة مع «حزب العمال الكردستاني» والعمل لتسوية سياسية للأزمة الكردية. ولم يُصدر الرئيس أو حكومته نفياً لمسألة الفيديرالية ومشروع حكم الأقاليم، إذ تجاهلا الأمر خلال حملاتهما الدعائية. ويعتبر محللون أن النظام الرئاسي قد يقود تركيا إلى نظام حكم متسلط، ويضعف الحريات الديموقراطية واستقلال القضاء، مستدركين أن الحصانة والإمكانات التي سيمنحها للرئيس المقبل، ويُرجّح أن يكون أردوغان، ستمكّنه من اتخاذ خطوات سياسية جريئة وعملية لحلّ الملف الكردي، وتغيير السياسة الخارجية لأنقرة، لتعاود تناغمها مع السياسة الأميركية في المنطقة، وتتخلّى تدريجاً عن ملف الجماعات الإسلامية الذي يكبّلها. لذلك تتحدث المعارضة عن دعم أميركي خفي لمشروع النظام الرئاسي، في مقابل رفض أوروبي، من خلال تركيز كل طرف على مصالحه في تركيا. إذ تريد واشنطنأنقرة قوة عسكرية جريئة في المنطقة، متحرّرة من عقدتها الكردية، فيما يركّز الاتحاد الأوروبي على الحريات والديموقراطية وملف اللاجئين. ويسود غموض صورة تركيا في اليوم التالي للاستفتاء، في حال رفض مشروع النظام الرئاسي، إذ يلوّح وزراء باحتمال طرح الأمر مجدداً على الشارع في الخريف المقبل أو العام 2018، بعد إدخال تعديلات على المواد المقترحة. لكن آخرين يعتبرون أن استفتاء الأحد قد يشكّل فرصة أخيرة لأردوغان لتمرير هذا المشروع، مع احتمال انهيار حليفه رئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهشلي، في حال صوّت الناخبون برفض التعديلات، ما سيقلّص الدعم للرئيس في البرلمان، لدى محاولته طرح المشروع مجدداً. وفي ظل هذا الغموض، لا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يفعله أردوغان في هذه الحالة، مع احتمال ولادة حزب يميني قوي، بزعامة القومية المعارضة ميرال أكشنار ومنشقين عن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، ما قد يجعل المشهد بالغ التعقيد في تركيا. ولعلّ هذه الصورة المعقدة تدفع جزءاً مهماً ممّن سيحسمون خيارهم في آخر لحظة، للتصويت لمصلحة النظام الرئاسي، ولو لم يكونوا متحمسين له، من أجل تجنّب سيناريوات عدم الاستقرار وتراجع الأمن. ويدرك الجميع أن ل «هزيمة أردوغان سياسياً»، أو معاندته في رفض مشروع سياسي يريده، ثمناً باهظاً، تدفعه تركيا من استقرارها واقتصادها، كما حدث بعد انتخابات حزيران (يونيو) 2015.