يشهد معسكر المعارضة في تركيا تطورات متسارعة تُحسب بميزان تأثيرها في خطط الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يسعى إلى تعديل الدستور والظفر بنظام رئاسي يتيح له صلاحيات واسعة. وبات هذا المشروع البوصلة السياسية التي تعمل وفقها أحزاب المعارضة، وتقيس من خلالها قدراتها السياسية في معركة طويلة. وفي هذا الإطار، نقلت وسائل إعلام عن مصادر قضائية إن 93 قضية رُفِعت على رئيس «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي صلاح الدين دميرطاش، طُلِب من خلالها سجنه 480 سنة، وذلك بعدما أقرّ البرلمان إسقاط الحصانة عن نواب مُتهمين بمساندة الإرهاب، ثلثهم أكراد. وأشارت المصادر إلى أن ذلك ليس إلا رأس جبل الجليد، مرجّحة الكشف قريباً عن ملفات نواب أكراد ومعارضين آخرين، ما يُهدّد عدداً كبيراً منهم بإسقاط النيابة عنهم، إذا دينوا بقضايا تتعلق بالإرهاب أو بدعم «حزب العمال الكردستاني». ودعا وزير العدل بكير بوزداغ النواب الأكراد إلى التجاوب مع التحقيقات والمحاكم، معرباً عن أمله بالامتناع عن استخدام القوة لجلب النواب إلى المحكمة، واستحضار مشاهد عام 1994 عندما اقتيد نواب أكراد بالقوة إلى المحكمة، من داخل البرلمان. لكن النواب الأكراد يؤكدون رفضهم التحقيق معهم، وتمسكّهم ب «كل الوسائل التي تحول دون ذلك». واعتبرت مصادر في «حزب الشعوب الديموقراطي» أن «هدف أردوغان هو سجن أكبر عدد من النواب، لإسقاط النيابة عنهم والاحتكام إلى انتخابات تكميلية في دوائرهم الانتخابية»، على أمل أن يحصد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم 15 مقعداً إضافية «تؤمّن له النصاب لطرح مشروعه الرئاسي في استفتاء شعبي». ولدى الحزب الحاكم الآن 317 نائباً في البرلمان، ويحتاج إلى 330 من أجل تجاوز عقبة المعارضة وطرح مشروع النظام الرئاسي في استفتاء شعبي، يكفيه الحصول فيه على 51 في المئة من الأصوات لإقراره وتعديل الدستور. في غضون ذلك، نجح المعارضون لرئيس حزب «الحركة القومية» دولت باهشلي في عقد مؤتمر طارئ للحزب، على رغم رفض الأخير وإصراره على عدم الاعتراف بقراراته. وفوجئ باهشلي بتأمين معارضيه تأييد 750 مندوباً للحزب، أي حوالى الثلثين، لمؤتمرهم الذي يهدفون من خلاله تغيير النظام الداخلي للحزب، في شكل يتيح انتخاب رئيس جديد في أي وقت، ويمنعه من طرد أي عضو في الحزب. ويمهّد ذلك عملياً لإنهاء زعامة باهشلي الذي دعا إلى مؤتمر طارئ بديل في 10 تموز (يوليو) المقبل، متحدياً معارضيه ومعلناً أنه سيترشح مجدداً للزعامة في المؤتمر الذي سيشارك فيه قياديو المعارضة، ولكن بعد تغييرهم النظام الداخلي وتأمينهم الحصانة من الطرد. وكان مقربون من أردوغان أشاروا إلى أنه قد يدعو إلى انتخابات مبكرة، مستفيداً من تشرذم المعارضة وتراجع شعبيتها، من أجل زيادة عدد نواب «العدالة والتنمية» وتعديل الدستور. لكن مسار الأمور في «الحركة القومية» يحول دون ذلك الهدف، إذ ترجّح استطلاعات للرأي عودة قوية للحزب إلى الساحة السياسية، إذا انتُخب رئيس جديد له، في شكل يهدّد أصوات الحزب الحاكم، وهذا ما يجعل سيناريو الانتخابات المبكرة مجازفة صعبة. لذلك يتابع «العدالة والتنمية» مصير النواب الأكراد الذين قد تبدأ محاكماتهم الشهر المقبل، وقد تؤمن له نتائجها فرصة الانتخابات التكميلية التي تبدو السيناريو الأفضل والأسهل لتعبيد الطريق أمام أردوغان لإقرار النظام الرئاسي.