أنجزت الكاتبة والباحثة شهرزاد العربي قاموساً قصصياً للأطفال، ويعد هذا القاموس فريداً من نوعه، لذلك واجه تحديات عدة قبل أن يصدره مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام. العربي تؤكد في حوار مع «الحياة» أن هناك استسهالاً في الكتابة للطفل، وأن الناشرين لا يرغبون في تحمل المسؤولية. وتشير إلى عدم الجرأة في الكتابة للطفل، موضحة أن كُتاب الطفل في البلدان غير العربية يغوصون في كل قضايا المجتمع، لكن من خلال تناول يتناسب مع عقلية الطفل. هنا نص الحوار: ما الهدف من تأليف قاموس للطفل، وما أبرز التحديات التي واجهتكِ في هذا الخصوص؟ - عندما لمعت في ذهني فكرة تأليف قاموس على شكل قصص للأطفال، كان هذا بمثابة الهدف، والمحفز في الوقت نفسه، كون الفكرة جديدة، ولم يسبق أن تناولها أحد من كتاب أدب الطفل في عالمنا العربي - بحدود ما قرأت من كتابات في هذا المجال -، ولأن الفكرة - من وجهة نظري الخاصة - جريئة ومليئة بالتحدي، إذ جعلت منها هدفا أساساً لي، وهذا مثَّل الشق الأول في الموضوع، في حين مثّل الناشر الشق الثاني. اعتقدت في البداية أن الناشرين سيتحمّسون لطرح مثل هذه الأفكار الجديدة المتعلقة بعالم الطفل، لكنني فوجئت بالرفض والصد، والقاموس القصصي - كما هو واضح من عنوانه ليس قاموسا بالمعنى التقليدي -، حوى كل العناصر التي يمكن أن تدفع الأطفال لقراءته، والتعلق باللغة العربية التي تكون مفرداتها داخل النص القصصي هي البطل الحقيقي للأحداث، لكي نلفت انتباه الطفل وأجيال اليوم إلى كمال لغتهم، وإعادة الثقة بأنفسهم، وشعورهم بالافتخار، خصوصاً وأن غَيْرنا يفخر بأشياء مستهجنة، وضد الطبيعة البشرية. إذاً، خلافاً للتحديات المتعلقة بالناشرين، لم يكن هناك تحدٍ لا يمكن تجاوزه، والانتقال إلى المرحلة النهائية للعمل. غالبية دور النشر قد لا تتحمس لمشاريع حيوية، وتهدف إلى تصحيح أوضاع خطأ في الكتابة للطفل. فهل كان من السهل إقناع مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام بنشر القاموس أم هو مَن تبنى المشروع؟ - مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام لا يهدف إلى الربح، إنما يسعى إلى نشر الثقافة واللغة العربية، وهذا هدف كل مثقف عربي واعٍ، والحقيقة أن أعضاء لجنة القراءة في مركز سلطان بن زايد شعروا بأهمية العمل وضخامته، وبعد أن بقي العمل داخل أدراج مكتبي لمدة 20 عاماً، شاء رب العالمين أن يظهر للوجود بفضل بمجهودات كبيرة مالية وفنية بذلها مركز سلطان بن زايد. ذكْرتِ أن معظم دور النشر العربية المتخصصة في كتب الأطفال تعتمد في أسلوب الكتب المنشورة على ركاكة وبساطة في التعبير، تجعل عدم تذوق شيء مما تمكن قراءته مهما كانت الأحداث ممتعة ومشوقة. ترى ما مبررهم في هذا الميل إلى البساطة في التعبير؟ - بالفعل كتب الأطفال المعروضة في المكتبات ومعارض كتب الأطفال تتشابه، فهي بسيطة في المحتوى والعبارات، لأن كُتابها أو غالبيتهم لا يعرفون نفسية الطفل، ولا يحاولون دراسته لمعرفة ما يحب وما لا يحب، إضافة إلى استسهال الكتابة للطفل، فالتعامل معه في مراحل عمره الأولى أبسط، ولهذا نجد غزارة في الإنتاج لهذه الفئة، وكلما تدرجنا صعودا قلّت الكتب للطفل العربي، حتى تكاد تنعدم أو لنقل إنها منعدمة فعلاً، ما يدفع الطفل إلى قطع عاداته في القراءة. وبذلك نخْسر قرّاء كُثراً في هذه المرحلة، ومن يبقى حاملاً للكتاب فسينشد ضالته في كُتُب أجنبية تتفق مع سنّه، فيقرأها وهو بعيد عن محيطه وبيئته الحقيقية، وهذه - في رأيي - مشكلة جد خطرة، فإذا كانت مشاريع الدول هنا وهناك تقوم بخطوات جبّارة لخلق قارئ عربي، فإنه عليها الاهتمام بأدب الطفل بشكل جدي، ودراسة هذه المشكلة على مستوى جهات عليا لتؤسس لأدب طفل حقيقي في الوطن العربي، ذلك لأن دور النشر الخاصة اعتادت على هذا اللون من الكتابة، ولا تريد الخروج عنه، كما لا تريد أن تتحمل مغبة خطورة التجديد والتطوير، ثم إن ما تحققه من أرباح من الكتابة البسيطة للأعمار الصغيرة يُحقق لها الرضا. جرأة الكُتّاب يرى البعض أن تأليف كتب الطفل تتحول إلى ممارسة نوع من الوصاية على عقل الطفل، في حين يدعو البعض إلى احترام عقل الطفل وقدراته في التعامل مع الأشياء، ما تعليقكِ؟ - بعض دور النشر والكُتَّاب يتعاملون مع الطفل ببساطة متناهية، من منطلق أنه كائن صغير سريع العطب، ويتفادى إقحام عقله الصغير في الكثير من المتاهات التي سيعرفها لاحقاً عندما يكبر، وقد يشترك أولياء الأمور في هذا التصور فيحضرون لأطفالهم كُتُباً خفيفة تمكّنهم من قضاء بعض الوقت وهم في حال من الهدوء، حتّى أنهم - بحسب أقوال بعض الناشرين - يرفضون كُتباً تحوي أسماء غريبة لأشخاص من دول أخرى، كأن تكون من السويد وتشيكوسلوفاكيا وروسيا وغيرها، ويصرون على استبدال أسماء أبطال القصة الأجانب بأسماء عربية عند الترجمة، ويخضع الناشر لهذا، وأنا أعتبر هذا العمل قمّة في الغباء وعدم المسؤولية، صحيح أنه من حقّ الآباء انتقاء الكتب، لكن عليهم أولاً أن يوسّعوا مداركهم حتى لا ينقلوا هذا الجهل مع الكِتاب لأطفالهم، وأنا من أشد الناس إيماناً بقدرات الأطفال، وهم يولدون على الفطرة، ويمكن أن نجعل منهم عباقرة، أو نطفئ الشعلة داخلهم، لنحصل في النهاية على أطفال متوسطي الذكاء، مع أنهم كانوا في بداية أعمارهم يتقدون ذكاء ويتفجرون عبقرية. كيف ترين أدب الطفل في العالم العربي مقارنة بأدب الطفل في الغرب؟ - للأسف الشديد أنه لا وجه للمقارنة بين الاثنين، لأنه لا وجود لعناصر اتفاق بينهما، فما لدينا هي كتابات غثّة قصيرة النفس، تنتهي قبل أن ينهي الطفل مرحلة الطفولة، وعلى رغم المجهودات التي يتحملها المسؤولون عن الثقافة للرقي بهذا الجانب، نجد بعض الهفوات التي تقع أحياناً، نلْمس ذلك حتى وهم يصيغون مواد المشاركة في المسابقات، ليفوز بها شخص لم يكتب يوماً للطفل أو يقدم له منجزاً من أي نوع، ويحصل على الجائزة ثم يبتعد عن الكتابة للطفل، وإذا أردنا التأكد من هذه المسألة فلنقم بإحصاء عدد من نالوا الجوائز المخصصة للأدب الطفل في الوطن العربي، لنجد قلة قليلة حصلت عليها وهي تستحق، في حين ذهبت الغالبية من الجوائز إلى كُتَّاب لا صلة لهم بهذا النوع من الكتابة، وهذا يؤثر سلباً في مسيرة أدب الأطفال في الوطن العربي. هناك نقطة أخرى، وهي عدم الجرأة في الكتابة، فغيرنا يغوص في كل قضايا المجتمع الذي يعيش فيه، حتى أنني قرأت أيام فضيحة الرئيس بيل كلينتون ومونيكا، صدور كتاب للأطفال يتناول الموضوع بما يتناسب مع عقلية الطفل، والكُتّاب في الغرب لا يتركون أي فرصة تتاح لإشراك الأطفال في ما يحدث داخل مجتمعاتهم. مثال آخر، هو ما نراه في فرنسا اليوم، فبعض كتابها الذين تناولوا قضية هجرة السوريين إلى أوروبا ركزوا على الشخصية المسلمة مع شخصيات أخرى من دول أفريقية، وكيف أن البطل الفرنسي - من خلال سلوكه الحضاري - صاحب القلب الرحيم المفعّم بالحب، يساعد كل أولئك المطرودين من ديارهم، وبغض النظر عن كل هذا، فالطفل هناك لا يتوقف عن القراءة، كما أن المادة المقدمة له يجب أن تشجعه على مواصلة القراءة، وهو عمل نوعي، تخصص له طاقات بشرية ومادية كبيرة، تعود بالنفع على الجميع. هل من أسماء عربية تُلْفِت انتباهكِ في الكتابة للطفل؟ - هناك أسماء فاعلة - على قلّتها - لا تسترجعها ذاكرتي كلها، ولذلك أُفضّل ألا أذكر بعضها حتى لا أُضيع حق الجميع في الذكر، لكن غالباً لا تشدني أسماء المؤلفين بقدر اهتمامي بالكتب، إذ أجد بين الحين والآخر كتاباً هنا أو هناك يمكن وصفه بالجيد. في رأيكِ، كيف يمكن تلافي التداعيات السلبية لما أسميتِه بالبتر أو الانقطاع المفاجئ الذي تسبب في توقف نمو اللغة في أوساط الأطفال والمراهقين؟ - أولاً، على المسؤولين أخذ الأمور بجدية، ودراستها بشكل مستفيض، ثم وضع خطة بناء على ذلك، والاهتمام بالكاتب المتخصص في هذا المجال، فهناك أقلام كثيرة تعمل في مجلات الأطفال، لها أعمال كثيرة، هؤلاء يجب إعطاؤهم فرصة، وتدريبهم وتوفير ورش عمل لهم بحسب المواصفات العالمية، وتمويل نشر الكتب الخاصة بالأطفال أثناء سن المراهقة، مع تطوير ما يكتب للأطفال دون هذه الفئة العمرية، وتوعية الأهالي بضرورة المساهمة في اختيار الكتب لأطفالهم، حتى لا تبقى المسألة خاضعة للاختيار العشوائي، وأن يشعر الطفل أن كل من حوله قارئ - أشدد على هذه العبارة -، لأنه لا يمكن أن يصبح الطفل قارئاً وهو ينشأ في بيت لا يرى فيه الأب والأم يمسكان بالكتاب. هل من السهل تدريب الطفل على الإحساس بجمال اللغة؟ - ممكن، وفي مقدور أهل الاختصاص إيجاد مئات الوسائل لذلك، فعالم الأفكار خصب، تكفي استثارته ليعطيك بلا توقف كل ما تحتاج إليه، لجعل حياتك أجمل، وهذا من خلال القصة والشعر والأغنية، وحتى الألعاب الإلكترونية، وأيضاً ما يفرزه عالم التقنية اليوم. رفض ظاهرة «التبسيط» لماذا في رأيكِ يعمد المهتمون بأدب الطفل إلى إفقار اللغة العربية، بدلاً من البحث في أسباب ثرائها، وتطوير قدرات الطفل على اكتشاف المزيد من هذا الثراء؟ - كل إناء ينضح بما فيه - كما يقول المثل العربي - فكُتَّاب الطفل لا يملكون من الأفكار ما يستوجب لغة رصينة، جميلة، تسبح بخيال الطفل، فعلاقة الفكرة باللغة وطيدة، وهذه ترفع من شأن تلك، غير أن ظهور كتابات جريئة قد ينقل العدوى للآخرين، ثم إن على كُتَّاب أدب الطفل التركيز على القاموس، وإعطاء الطِّفل دائماً جرعات كافية من المفردات، لكي لا تبدو غريبة ومستهجنة عليه في حال تعامل معها يوماً ما. هل تعتقدين أنكِ نجحتِ في تصحيح الأوضاع بعد تأليف هذا القاموس؟ - القاموس لا يزال في بداية الطريق، فلم ينشر منه إلا جزأين، مكونة من عشر كتب، ولن يتم تصحيح الأوضاع إلا بعد الانتهاء من طباعته كاملاً، وهذا سيتم على مدار سنوات لأنه يحوي عشرات المجلدات، التي تنتظر دورها للخروج إلى عالم الطفل، ومهما يكن الأمر، سأستمر في تحدي ورفض ظاهرة التبسيط التي تحولت أحياناً إلى نوع من الركاكة، ونجاحي سيكون من حيث تقديم فكرتي بالشكل الصحيح من دون انتظار لتقويم لها، لأن ذلك سيأتي بعد سنوات مديدة. المهم هنا، أنني طرحت فكرة آمنت بها، فسعيت بنقلها للآخرين على رغم كل الصعوبات، أما تصحيح أوضاع الكتابة للطفل فإنه لا يقوم به فرد واحد، إنما هو تجميع جهود كل من يعمل في هذا المجال، وكل ما فعلته أني لفت الانتباه، وأرجو من الآخرين التحلي بالشجاعة والصبر، وأخذ المسألة بشكل جدي، حتى لا تقل أهمية كُتاب أدب الأطفال عن أي أديب أو روائي حاز جائزة نوبل للآداب.