خفقت قلوب الفلسطينيين بشدة خلال الساعات والأيام القليلة الماضية، وشعروا بقلق بالغ إزاء ما يمكن أن تخبئه الأسابيع المقبلة من أزمات أو مستقبل مجهول. وأصبح حديث مليوني فلسطيني منصباً تماماً على أزمة الحسوم بنسب كبيرة على رواتب 54 ألف موظف يعملون لدى السلطة الفلسطينية في قطاع غزة، من أصل 162 ألفاً، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وحتى الأمنية والميدانية. وبات معظم الفلسطينيين مقتنعاً بأن الأزمة سياسية أكثر منها مالية، وقد تكون مقدمة لفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، أو جاءت استجابة لضغوط أميركية تهدف في نهاية المطاف إلى إخضاع الفلسطينيين سلطتهم ومنظمة التحرير لإرادة «سيد البيت الأبيض الجديد». وقالت مصادر موثوقة ل «الحياة» إن الرئيس محمود عباس وضع شروطاً واضحة وحاسمة لا لبس فيها تضع حركة «حماس» أمام خيارات «أحلاها مر»، قد تصل في نهاية المطاف إلى قطع أي صلة أو علاقة للسلطة والحكومة بالقطاع. وأضافت أن رسالة عباس، التي ستبلغها اللجنة السداسية التي شكلتها اللجنة المركزية لحركة «فتح» للتفاوض مع «حماس»، تتلخص في أن تسلم «حماس» كل الوزارات والهيئات الرسمية والمعابر لحكومة التوافق الوطني برئاسة رامي الحمد الله وتحل اللجنة الإدارية (حكومة الأمر الواقع) التي شكلتها أخيراً، كي تتجنب إجراءات عقابية، من بينها وقف كل التحويلات المالية والموازنات الموجهة للقطاع، وترك الحركة تتحمل مسؤولياتها عن كل تفاصيل الحياة في إدارة شؤون الغزيين. ويخشى الغزيون من أن «أياماً سوداً» تنتظرهم، وأن يجدوا أنفسهم في مهب الريح وتُركوا لمواجهة مصيرهم بأنفسهم، من دون أن تكثرت لهم المنظمة والسلطة والحكومة، وحتى «حماس» التي تمسك بزمام الأمور بقوة ومنفردة. ووصلت رسالة عباس واضحة إلى الحركة التي سرعان ما ردت بالتأكيد أن «ردود الفعل ستكون صعبة في حال وضعت غزة في الزاوية الحرجة، فشعبنا لا يمكن أن يصبر على الضيم والمؤامرة». وأصدرت الحركة بياناً أمس، قالت إنه «لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بهذه المؤامرة التي تستهدف رواتب موظفي السلطة في غزة التي نفذتها وتتحمل مسؤوليتها حكومة الحمد الله بأوامر مباشرة من الرئيس عباس وصمت من اللجنة المركزية لفتح». ووصفت الحركة قرار الحسوم بأنه «عمل مجرد من الأبعاد الأخلاقية والوطنية»، وعبرت عن تعاطفها وتضامنها مع موظفي السلطة الذين أصابتهم المجزرة. ودعت الفصائل والقوى والشخصيات والهيئات الفاعلة إلى «تحمّل مسؤولياتها الوطنية والضغط على الرئيس عباس لوقف هذه المجزرة التي تستهدف أبناء غزة، من دون إخوانهم في الضفة، في خطوة عنصرية تمييزية تعمق الانقسام والشرخ الاجتماعي والسياسي». كما دعت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى «التدخل لوضع حد لهذا الاستهتار بحياة أبناء غزة، لأن ردود الفعل ستكون صعبة في حال وضعت غزة في الزاوية الحرجة، فشعبنا لا يمكن أن يصبر على الضيم والمؤامرة». وتضم اللجنة التي شكلتها مركزية «فتح» خلال اجتماع برئاسة عباس مساء السبت الماضي، كلاً من أحمد حلس، وروحي فتوح، ومحمود العالول، وحسين الشيخ، والحج اسماعيل جبر، وعزام الأحمد. ومن المتوقع أن تصل اللجنة إلى القطاع قبل نهاية الأسبوع الجاري، علماً أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أغلقت الحواجز العسكرية مع الضفة والقطاع، وستعيد فتحها صباح غدٍ. وقال قيادي في «حماس» إن الحركة «لم تُبلغ رسمياً بزيارة اللجنة السداسية، بل علمت بها من خلال اتصالات شخصية مع قياديين «فتحاويين»، ووسائل الإعلام». ورأى مراقبون أن هناك أربعة سيناريوات أو خيارات محتملة بعد 25 الجاري، وهو السقف الزمني الذي على اللجنة السداسية أن تنجز مهمتها خلاله، من دون مفاوضات أو حوارات مع «حماس» شبيهة بتلك التي أجريت خلال السنوات العشر الماضية. ويعتقد المراقبون أن أول الخيارات، وربما أفضلها، أن تنحني «حماس» أمام العاصفة وترضخ لشروط عباس، أو أن يتوافق الطرفان على «اقتسام الكعكة» بطريقة تجعل كل طرف «يخرج راضياً» ويظهر كأنه «حقق انتصاراً». أما الثالث وهو صعب جداً، فيتمثل في رفض «حماس» وتمردها على شروط عباس، ما يعني أن الأمور ستصل سريعاً الى «الطلاق البائن بينونة كبرى». ويبقى الخيار الرابع، وهو الأصعب والأسوأ على الإطلاق، ويتمثل في إشعال فتيل حرب جديدة مع إسرائيل «كمخرج» لحركة «حماس» وخطوة تهدف إلى «الهروب إلى أمام».