لم تكن معركة نقابة المهندسين في لبنان عادية، ليس لأنها أدت إلى انتخاب جاد أنطوان ثابت نقيباً ضد منافسه مرشح «التيار الوطني الحر» بول نجم بفارق 21 صوتاً فحسب، وإنما لأنها انطوت على بعد سياسي تمثل في أن الاصطفاف السياسي الواسع في هذه المعركة لم يصمد في وجه النقيب المنتخب على رأس لائحة «نقابتي للمهندس والمهندسين» بل أصيب باهتزاز مباشر، وهو المدعوم إضافة إلى «التيار الوطني»، من «تيار المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية» و«حزب الله» وحركة «أمل»، الذين حصدوا جميع مقاعد العضوية في اللائحة، وبفارق كبير عن المرشحين إلى العضوية في لائحة النقيب الفائز. وبكلام آخر، فإن نجم أُسقط في المعركة بنيران صديقة لا يتحملها حزب «القوات» بمفرده، وإنما تقع مسؤوليتها، وبنسب متفاوتة، على الآخرين المتحالفين مع «التيار الوطني»، إضافة إلى ما يتمتع به النقيب الفائز من أرجحية في صفوف المهندسين الشباب والمخضرمين أيضاً الذين انحازوا تلقائياً إلى جانبه تحدياً لقرار أحزابهم وتياراتهم تأييد نجم، وإن كانت محطة «أو تي في» الناطقة باسم «التيار الوطني» حاولت قبل الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات، تحميل «القوات» مسؤولية إخفاق نجم، بذريعة أن محازبيه عمدوا إلى شطب اسمه، مستندين إلى قرار من قيادتهم بترك حرية الانتخاب لهم. كما أن الاصطفاف السياسي الداعم للمرشح الخاسر نجم، لم يلق التزاماً من المحازبين والمناصرين له، وكأن القرار الذي أسقط عليهم من فوق لم يصرف كما يجب فاقترعوا لمصلحة ثابت المدعوم من أحزاب «الشيوعي» و«الكتائب» و«التقدمي الاشتراكي» و«الكتلة الوطنية» والمستقلين ومهندسي الحراك المدني، مع أنه حرص على ألا يدرج اسم مرشح حزبي على لائحته. لذلك، تعامل أكثر من مراقب لسير العملية الانتخابية التي أتاحت للمهندس المخضرم ثابت التربع على رأس نقابة المهندسين، مع النتائج النهائية وكأن هناك من أراد من خلال الذين انتفضوا على قرارات أحزابهم وصوتوا لمصلحة ثابت تمرير رسالة إلى «التيار الوطني» تتجاوز المنافسة الديموقراطية إلى السياسة تحت عنوان أن الكيمياء السياسية بين أحزاب وتيارات الكبار لا تزال مفقودة، وأن انتظامهم في حكومة «استعادة الثقة» لا يحجب الأنظار عن وجود خلافات تتعلق بعدد من القضايا العالقة. كما أنه لا يمكن التغاضي عن أن المزاج العام للمهندسين لا يمكن أن يكون نسخة طبق الأصل عن أمزجة الأحزاب والتيارات الداعمة للمرشح الراسب، وإلا لماذا أخفق كل هذا الحشد في إيصاله إلى رأس النقابة في مقابل زملائه الأعضاء في اللائحة الذين نالوا معدلاً وسطياً من الأصوات زاد عن الأصوات التي نالها نجم؟ وعليه، فإن هذه الانتخابات تميزت بنكهة خاصة، ليس لأن كل طرف في لائحة نجم أراد أن يوصل مرشحه إلى عضوية النقابة، بل لأن المتمردين على توجيهات «الباب العالي» أرادوا تمرير رسالة مفادها أن إلزامهم بهذا المرشح أو ذاك لن يترجم في صناديق الاقتراع، وأن لهم حق الاختيار. فهل تأخذ الأحزاب والتيارات الداعمة لمرشح «التيار الوطني» الرسالة التي أوصلها إليها المئات من الناخبين على محمل الجد، أم أنها تتعامل مع هذا الاستحقاق وكأنه ناجم عن خطأ تقني؟ فيما يكتفي الفريق الذي ينتمي إليه نجم بتحميل مسؤولية رسوبه إلى «القوات» باعتباره الحلقة الأضعف لتفادي الدخول في مواجهة مع الآخرين؟ وكان رئيس الحكومة سعد الحريري هنأ النقيب بفوزه، وقال في تغريدة عبر «تويتر»: «انتصار جديد للديموقراطية بتوقيع مهندسي بيروت». وهنأ رئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط مهندسي الحزب التقدمي «الذين ساهموا في إنجاح تابت كنقيب جديد للمهندسين»، مشيراً إلى أنه «من مدرسة عاصم سلام». وأمل بأن «يعيد النقيب، النقابة إلى وظيفتها الأصلية في التخطيط لسكن شعبي أنيق والحفاظ على التراث من فيضان التجار وإبعاد النقابة عن الحزبيات الضيقة ورفض تدخلات بلدية بيروت ومن لف لفهم إلى جانب ترشيد وزارة الثقافة».