أكدت وزارة الدفاع الروسية أن واشنطن لم تقدم أي دليل يثبت وجود أسلحة كيماوية في قاعدة الشعيرات السورية التي تعرضت لضربات جوية. وأبدى الناطق العسكري الروسي اللواء ايغور كوناشينكوف استعداداً لفحص القاعدة، وقال إن كل العاملين فيها والصحافيين الذين زاورها بعد الضربات الصاروخية يتجولون بحرية ومن دون ارتداء أقنعة واقية، ما يؤكد عدم وجود مخلّفات كيماوية فيها. وزاد أن «من السهل القيام بالتحليلات اللازمة في المنطقة وكل من لديه دراية بهذا الموضوع يدرك أن مخلّفات المواد الكيماوية أو الحاويات التي تحوي مواد من هذا النوع لا يمكن إخفاؤها وهي تبقى حتى بعد مرور أسابيع أو شهور على نقلها من المكان الذين حفظت فيه». ونفت وزارة الدفاع بشدة صحة تلميحات جهات أميركية إلى أن موسكو ربما تكون زوّدت الحكومة السورية بذخائر تحتوي على مواد كيماوية، وقال الناطق العسكري إن تلك الاتهامات لا أساس لها. وأكد كوناشينكوف أن وزارة الدفاع الروسية أبلغت الجانب الأميركي رسمياً ليلة الجمعة - السبت بوقف العمل باتفاقية سلامة الطيران التي وقعها الجانبان في 2015، وهي تحدد آليات تنسيق تحرك الطيران الروسي والأميركي تجنباً لوقوع حوادث غير مقصودة. وزاد أن «البنتاغون» تسلّم «إشعاراً رسمياً بتعليق العمل بخط الاتصال الساخن حول سورية»، مضيفاً أن الاتصالات الروسية - الأميركية في هذا الشأن أجريت عبر القنوات الديبلوماسية وأن موسكو سلمت المعطيات الى الملحق العسكري الأميركي لدى موسكو، في إشارة الى تجميد الاتصالات نهائياً في سورية. لكن المعطيات الروسية تناقضت مع تأكيد الجانب الاميركي أن قنوات الاتصال ما زالت تعمل. وكانت وكالات أنباء أميركية نقلت عن مصدر عسكري بارز أن «موسكو وافقت على الحفاظ على «الخط الساخن» للاتصال مع المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية في إطار مذكرة التفاهم الروسية الموقعة بين بين البلدين». وأكد «البنتاغون» على لسان الناطقة باسمه، ميشال بالدانسا، أن الولاياتالمتحدة لا تزال تجري اتصالات مع روسيا عبر قناة تأمين الطلعات الجوية في سورية، وأضافت «لقد اتصلنا مع الروس بعد الهجوم لكي نتأكد من أن هذه المذكرة لا تزال تعمل، وهم أكدوا أنها تعمل». وقال السيناتور الروسي قسطنطين كوساتشيف إن وقف العمل بمذكرة التفاهم مع الولايات «خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنه لا يمكن أن تكون هناك آليات قانونية لدعم عمليات غير مشروعة. والولاياتالمتحدة بمهاجمتها القوات الحكومية السورية في حمص وضعت نفسها خارج الاتفاقات الدولية لمكافحة الإرهاب». ورغم حدة السجال حول هذا الموضوع، بدا أن موسكو خففت لهجتها قليلاً امس، وأعلنت الخارجية الروسية ان موسكو «ستدرس إمكان استئناف العمل بمذكرة التفاهم مع واشنطن حول سلامة التحليقات فوق سورية». وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن موسكو «ستنظر في إمكان استئناف العمل بالمذكرة، تبعاً لتطور الأوضاع». وذكّرت بأن «روسيا حتى في أصعب الظروف أبدت دوماً استعدادها للحوار». واعتبرت زاخاروفا أن الضربة الأميركية لمطار الشعيرات العسكري في سورية لا علاقة لها بمحاولة معرفة حقيقة استخدام الأسلحة الكيماوية في إدلب. وأضافت أن واشنطن طالبت بتحقيق في ما يتعلق بمعدات يشتبه بأن تكون استخدمت مواد كيماوية ثم قامت بقصف هذه المعدات، ما يؤشر الى عدم جديتها في فتح تحقيق. وفي موضوع آخر، علّقت زاخاروفا على إلغاء زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون لموسكو، التي كانت مقررة مطلع الأسبوع المقبل، معتبرة أن «الاستقرار والاتساق لم يعودا السمة المميزة للسياسة الخارجية للغرب منذ فترة طويلة». وأوضحت الناطقة أن إلغاء الزيارة جاء بعد فترة قصيرة من الاتفاق عليها، وأن الجانب البريطاني قدم أسباباً مختلفة لذلك، مضيفة: «يبدو أن زملاءنا الغربيين يعيشون في واقعهم الخاص، حيث يحاولون في البداية وضع مخططات جماعية بمفردهم، ثم يلغونها بمفردههم أيضاً، ويخرجون بأسباب سخيفة». تزامن ذلك مع تأكيد مصادر ديبلوماسية روسية أن زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيريلسون الى موسكو ستتم في موعدها الثلثاء المقبل، ولم تعلن موسكو أي تعديل على برنامج الزيارة، بما في ذلك الشق المتعلق بلقاء لتيريلسون مع الرئيس فلاديمير بوتين. وقالت المصادر إن موسكو رغم استيائها من الضربات الاميركية في سورية، لكنها تريد أن تسمع مباشرة توضيحات من الجانب الأميركي. وأثارت التطورات بعد الضربة الأميركية سجالات واسعة في وسائل الإعلام الروسية، ونقاشات عن الأسباب التي دفعت موسكو الى عدم استخدام الدفاعات الجوية. وقال نواب في مجلس الدوما إن روسيا التي أبلغت قبل ساعتين من بدء الغارات، لم يكون بمقدورها التصرف بطريقة أخرى، لأن الموقف كان أقرب الى استفزاز مواجهة مباشرة مع الولاياتالمتحدة. وان روسيا لم تمتلك مقومات للرد باعتبار ان الضربة لم تستهدف بشكل مباشر القواعد العسكرية الروسية أو أماكن وجود القوات والوحدات الخاصة الروسية. وقال جنرال روسي «لم يكن هناك أي تهديد لقواتنا». ورغم أن مطار شعيرات يستخدم من جانب الطيران الروسي بكثافة، لكن التنبيه المسبق سمح لروسيا بسحب كل قواتها ومعداتها منه في الوقت المناسب، كما أن موسكو أبلغت الجانب السوري الذي سحب بدوره في وقت مناسب الجزء الأكبر من قواته ومعداته، وأشارت مصادر الى ان الطائرات الست التي دمرها القصف كانت تخضع للصيانة في المطار، بينما لم تصب الطائرات داخل التحصينات بأذى. وحرصت واشنطن على عدم توجيه أي ضربة الى أجزاء في المطار يستخدمها الروس عادة. من جهة أخرى، قال عسكريون روس إن «الدفاعات الجوية السورية لم يكن بمقدورها لو أرادت أن تتصدى لقصف كثيف بالصواريخ المجنحة». ولفتوا الى أن أنظمة الدفاع الجوي السورية تعتمد أساساً على أنظمة من طراز «اس200» التي غدت قديمة وفيها كثير من الثغرات، ناهيك بأنها ليست مجهزة للتصدي لعشرات الصواريخ في وقت واحد. وتحتفظ روسيا في سورية بصواريخ حديثة من طرازي «اس300» و «اس 400» إضافة الى أنظمة قصيرة المدى من طراز «بانتسير»، لكن موسكو تقول إن دفاعاتها الجوية مخصصة لحماية المنشآت التي يشغلها العسكريون الروس فقط.