أبدت المعارضة السورية ارتياحها للهجوم الصاروخي الأمريكي على قاعدةٍ جويةٍ قرب حمص. فيما دعت إلى مزيدٍ من الهجمات، واعتبرت أن الهجوم، الذي نفذته الولاياتالمتحدة فجر الجمعة بعد يومين من «مجزرة الكيماوي» في خان شيخون، غير كافٍ في حد ذاته لمنع الطائرات الحربية لنظام بشار الأسد من شنّ غارات. وأوضح رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف السوري المعارض، أحمد رمضان، أن «ما نأمله هو استمرار الضربات، لمنع النظام من استخدام طائراته في شن أي غارات جديدة أو العودة إلى استخدام أسلحة محرمة دولياً». و«الفكرة الأفضل التي وصلت إلى الشعب أنه لا يزال هناك إنسانية في هذا العالم»، بحسب تعبير قائد فصيل «جيش إدلب الحر» المعارِض، حسن الحاج علي. وأبلغ علي وكالة الأنباء «رويترز» بأن القصف الأمريكي أتى في «مرحلة مهمة جداً». وكان معارضو الأسد دأبوا على انتقاد سياسة الولاياتالمتحدة خصوصاً في عهد رئيسها السابق باراك أوباما، إذ اتهموه بالإخفاق في حماية مناطق المعارضة من الغارات. وسبق لهم المطالبة بإقامة منطقة حظر طيران، أو إمداد الفصائل التي تقاتل النظام بأسلحة مضادة للطائرات. واعتبر القيادي البارز في المعارضة المقاتِلة، محمد علوش، أن «قاعدة جوية واحدة لا تكفي» ف «هناك 26 قاعدة جوية تستهدف المدنيين». وعبّر السياسي المعارِض، جورج صبرا، عن المضمون نفسه، وأبلغ تليفزيون «العربية الحدث» بأن الأمر إذا اقتصر عسكرياً على هذه الضربة فإنها عندئذ لن يكون لها مغزى. ووصف الجيش السوري الحر الضربة الأمريكية ب «نقطة البداية الصحيحة» لإيجاد «حل سياسي عادل». وأوضح في بيانٍ أوردته «رويترز» على موقعها الإلكتروني: «نرى أن مسؤولية الولاياتالمتحدة ما زالت كبيرة ولا تتوقف عند هذه العملية». وأشار الجيش الحر، وهو تحالفٌ لمجموعات معارِضة مقاتِلة يشمل فصائل تلقت دعماً عسكرياً أمريكياً، إلى «خشية من أعمال انتقامية لتنظيم الأسد المجرم وحلفائه تجاه المدنيين». بدوره؛ ذكر رئيس الوفد المفاوِض عن المعارضة في محادثات جنيف للسلام، نصر الحريري، أن مطار الشعيرات، الذي استهدفته الصواريخ الأمريكية، كان يُستخدَم في استهداف السوريين وتسبّب في مقتل الآلاف منهم نتيجة القصف الجوي. وعدّ الحريري، في تغريداتٍ على موقع تويتر، الضربة الأمريكية رسالةً واضحةً للنظام وداعميه بأن «الإفلات من العقاب قد طويت صفحته». ومضى مغرّداً: «بهذه الضربات التي وجهتها الإدارة الأمريكية لإحدى أهم قواعد النظام العسكرية وفِي حال استمرارها؛ تكون قد بدأت بداية صحيحة في محاربة الإرهاب». في حين وصف مسؤولون أمريكيون الهجوم الجوي، وهو أول هجوم مباشر لبلادهم ضد نظام الأسد منذ بدء النزاع السوري في 2011، بأنه «منفرد» لن يؤدي إلى تصعيد أوسع. ووفقاً ل «رويترز»؛ أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أنه أمر بإطلاق صواريخ على قاعدة الشعيرات الجوية لأن الأسد شن انطلاقاً منها هجوماً جوياً كيماوياَ دامياً على خان شيخون الثلاثاء الماضي. وقال ترامب، في خطابٍ بثته قنوات التلفزة، إن تحرُّكه جاء لصالح الأمن القومي لبلاده. وكان هجوم مقاتلات النظام على بلدة خان شيخون أسفر عن مقتل 70 مدنياً، على الأقل، اختناقاً، بينهم نحو 20 طفلاً، مع تسجيل نحو 160 مصاباً. وظهرت على الضحايا أعراض التعرض لغازٍ تعتقِد عواصم وجهات عدة، بينها واشنطن وأنقرة ومنظمتا «الصحة العالمية» و«أطباء بلا حدود»، أنه «السارين» المميت، في حين نفت روسيا وحكومة الأسد، أن يكون السلاح الكيماوي استُخدِم في قصف البلدة، ولامتا على المعارضة، وهي رواية لم تلق قبولاً عالمياً. ووفقاً لوكالة الأنباء «فرانس برس»؛ أطلق الجيش الأمريكي 59 صاروخاً عابراً من طراز «توماهوك» على مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص وسط سوريا. ونقل الموقع الإلكتروني للوكالة عن مسؤول أمريكي أن المطار مرتبط ببرنامج الأسلحة الكيماوية السوري و«متصل مباشرةً» بالأحداث الرهيبة التي حصلت صباح الثلاثاء الماضي في بلدة خان شيخون. وتقع هذه البلدة جنوبي محافظة إدلب، التي تسيطر المعارضة عليها في شمال غرب سوريا. ورحبت دولٌ عدة، عربية وغربية، بالرد العسكري الأمريكي، فيما نددت به روسيا وإيران التي تدير ميليشيات عدة لصالح الأسد. وذكرت «رويترز» أن تصعيد الدور العسكري للولايات المتحدة أحدث توتراً مع موسكو. ونقلت عن متحدث باسم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أن «الضربة أضرت بشدة بالعلاقات بين واشنطنوموسكو». وانطلقت الصواريخ ال 59 من سفينتين حربيتين أمريكيتين في البحر المتوسط. وأفاد مصدر في وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» بتدمير الصواريخ نحو 20 مقاتِلة. وكشف مسؤولون أمريكيون عن إخطارهم القوات الروسية بأمر الضربات الصاروخية قبل حدوثها، لتفادي إصابة جنود روس في القاعدة الجوية. وذكر المسؤولون أنه لم تقع ضربات على أجزاء من القاعدة كان جنود روس موجودين فيها، لكنهم قالوا إن إدارة ترامب لم تسع إلى نيل موافقة مسبقة من موسكو. ولاحظ دونالد ترامب، وهو يعلن عن الضربة من منتجع مار ألاجو في فلوريدا (جنوب شرق الولاياتالمتحدة) حيث كان يجتمع مع نظيره الصيني شي جين بينغ، أن «المحاولات السابقة على مدى أعوام لتغيير سلوك الأسد فشلت كلها فشلاً ذريعاً». وأمر ترامب بالهجوم بعد يوم من إلقائه بالمسؤولية على الأسد في الهجوم الكيماوي الذي وقع على خان شيخون. ووفقاً ل «رويترز»؛ انطلقت الصواريخ الأمريكية، وهي من طراز «توماهوك»، من السفينتين الحربيتين «بورتر» و»روس» بعد 40 دقيقة من بدء يوم الجمعة بتوقيت جرينتش؛ وأصابت عدة أهداف بينها مدرج الطائرات ومحطات للتزود بالوقود في «الشعيرات» التي يقول «البنتاغون» إنها استُخدِمَت لتخزين أسلحة كيماوية. وأبلغ مسؤول دفاعي أمريكي «رويترز» بأن الرد العسكري عبارة عن هجوم «مُفرد»، مما يعني، وفق توقُّع الوكالة، أن الضربة واحدة و«لا توجد خطط حالياً للتصعيد». ونقلت الوكالة نفسها عن وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، أن الضربة لا تعني تغير سياسة بلاده الأشمل بشأن سوريا. وأبلغ الوزير الصحفيين قائلاً: «هذا (الهجوم الصاروخي) يدل بوضوح على أن الرئيس مستعد لاتخاذ تحرك حاسم عندما يتطلب الأمر .. لن أحاول بأي شكل أن أفسر ذلك بأنه تغيُّر في سياستنا أو موقفنا فيما يتعلق بأنشطتنا العسكرية في سوريا حالياً. لم يحدث تغيير في هذا الوضع». وعبّر الرئيس التركي، من جهته، عن دعمه تحرك واشنطن، ووصفه بتطور مهم لكنه «غير كافٍ بمفرده»، مشدداً: «ينبغي اتخاذ خطوات جادة لحماية الشعب السوري». وقال رجب طيب أردوغان خلال تجمع سياسي حاشد الجمعة في إقليم هاتاي جنوبي بلاده: «نراها خطوة إيجابية وملموسة ضد جرائم نظام الأسد». وتساءل: «هل هي كافية؟»، مجيباً: «لا أراها كافية. حان الوقت لاتخاذ خطوات جادة لحماية الشعب السوري البريء». واعتبر أردوغان أن «المجتمع الدولي يملك القدرة على وقف النظام والمنظمات الإرهابية». وقال: «أتمنى أن يكون الموقف الفاعل الذي أبدته الولاياتالمتحدة في (شأن ما وقع في) إدلب بداية فيما يتعلق بمثل هذه التطورات». من جانبه؛ تطلّع الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، إلى مواصلة وتوسيع العملية الأمريكية. وشدد في تصريحٍ من منطقة أدريش جنوبي بلاده: «يجب الآن مواصلتها على المستوى الدولي في إطار الأممالمتحدة إذا أمكن، بحيث نتمكن من المضي حتى النهاية في العقوبات على الأسد ومنع هذا النظام من استخدام الأسلحة الكيميائية مجدداً وسحق شعبه». وقال هولاند: «هناك اليوم بسبب هذه المأساة (استخدام الأسلحة الكيماوية)، بسبب هذا الوضع، إمكانية أيضاً لبدء مفاوضات والسماح بانتقال سياسي في سوريا»، متعهداً: «ستتخذ فرنسا مع شركائها لاسيما الأوروبيين (…) المبادرة حتى نتمكن من تحريك عملية الانتقال السياسي». في حين أعلن جيش الأسد مقتل 6 أشخاص في الضربة الأمريكية. بينما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى مقتل 4 جنود سوريين على الأقل بينهم ضابط «فيما دُمِّرت القاعدة الجوية بشكل كامل تقريباً». وصرّح المتحدث باسم «البنتاغون»، الكابتن جيف ديفيز، قائلاً: «المؤشرات الأولية هي أن هذه الضربة ألحقت أضراراً بالغة أو دمرت طائرات سورية والبنية التحتية الداعمة، وكذلك معدّات في قاعدة الشعيرات، مما يقلص قدرة الحكومة السورية على استخدام أسلحة كيماوية». وأقر التليفزيون السوري الرسمي، نقلاً عن مصدر عسكري، بوقوع خسائر جرّاء الضربة. وجاء في خطاب ترامب المتلفز بُعيد إطلاق بلاده الصواريخ أن «الديكتاتور السوري بشار الأسد شن هجوماً مروعاً بالأسلحة الكيماوية على مدنيين أبرياء .. واليوم أمرتُ بضربة عسكرية موجهة إلى القاعدة الجوية السورية التي انطلق منها الهجوم الكيماوي». وحدثت الضربة بينما كان الرئيس الأمريكي يوشك على الانتهاء من العشاء مع نظيره الصيني. واعتبر ترامب أن «من مصلحة الأمن القومي الأمريكي منع ودرء انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية الفتاكة». وحديثه يشير إلى أن الهجوم محاولة لردع الأسد عن استخدام أسلحة كيماوية في المستقبل، بحسب ما كتبت «رويترز». وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً، مساء أمس، بطلبٍ من العضو فيه؛ بوليفيا، لمناقشة الوضع في سوريا بعد العملية الأمريكية. وفي حين أيّد مشرّعون أمريكيون، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الهجمات الصاروخية التي أمر ترامب بشنّها؛ فإنهم حثوه على إعلان استراتيجية أوسع بشأن التعامل مع هذا الصراع. وصرّح السيناتور الديمقراطي، مارك وارنر، قائلاً: «أتعشم أن تقنع هذه الهجمات نظام الأسد بعدم تكرار مثل هذه الأعمال مطلقاً»، لكنه حثّ ترامب على إعلان خططه بالنسبة للصراع الذي يشارك فيه أكثر من طرف في سوريا. وقال وارنر في بيانٍ له: «الرئيس ترامب أبلغ مراراً بأن هدفه في سوريا هو دحر مقاتلي (تنظيم داعش الإرهابي). والهجوم الذي شُنّ الليلة الماضية كان له هدف مختلف»، داعياً الرئيس إلى «إعلان استراتيجية متماسكة للتعامل مع هذا الصراع المعقد لأن عواقب أي خطأ خطيرة». في الوقت نفسه؛ اعتبر السيناتور الجمهوري، جون مكين، الإشارة «التي أعتقد أنها أُرسِلَت الليلة الماضية .. مهمة جداً». واستدرك: «على الرغم من كل الحماس الذي رأيناه هذا الصباح؛ فربما أنقل عن تشرشل قوله إنها نهاية البداية وليس بداية النهاية». ورأى مكين، وهو رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، أن الرئيس يجب أن يكون مستعداً ل «القيام بعمل آخر»، بما في ذلك إقامة مناطق آمنة داخل سوريا وزيادة تسليح وتدريب المعارضين هناك. وقرار ترامب بتوجيه هجوم مباشر لنظام الأسد، المدعوم من موسكو وطهران، هو الأكبر له في مجال السياسة الخارجية منذ وصل إلى منصبه في يناير الماضي. ورأى السيناتور الجمهوري، ماركو روبيو، أن الهجوم لابد وأن يبعث برسالة إلى أعداء بلاده الآخرين «مثل كوريا الشمالية». وأبلغ روبيو شبكة «فوكس نيوز» بالقول: «أعتقد أن الوقت حان كي تشعر بعض الدول ببعض القلق منا وليس أن نشعر دائماً نحن بالقلق مما قد يفعلونه». ووفقاً ل «رويترز»؛ رأى عدد من النواب الأمريكيين أن على ترامب السعي إلى الحصول على موافقة الكونجرس إذا قرر القيام بعمل عسكري إضافي في سوريا. في غضون ذلك؛ أفاد متحدث باسم التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن ضد «داعش»، بأن موسكو أخطرت التحالف باعتزامها تعليق قناة اتصال تهدف إلى تجنب الحوادث الجوية في المجال الجوي السوري المزدحم. وكان بيانٌ لوزارة الخارجية الروسية ذكر أن موسكو ستعلق اتفاقاً مع واشنطن بشأن السلامة الجوية؛ يستهدف ضمان عدم حدوث تصادم بين الطائرات. وأبلغ متحدث باسم الرئيس الروسي الصحفيين بأن بلاده ستبقي قنوات الاتصال العسكرية مع واشنطن مفتوحة، لكنها لن تتبادل أي معلومات عبرها. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني؛ كتب المتحدث باسم التحالف الدولي، الضابط في سلاح الجو الأمريكي، الكولونيل جون دوريان، أنه «يمكنني أن أؤكد أن الروس أخطروا التحالف اليوم (أمس) بنيتهم فيما يتعلق بقناة التنسيق». وفي تصريحٍ عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ ذكر رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، أن الهجمات الصاروخية الأمريكية على قاعدة «الشعيرات» كادت تؤدي إلى اشتباك مع جيش بلاده، قائلاً: «كانت على بعد خطوة واحدة من اشتباك عسكري مع روسيا». من جهته؛ قال العضو في البرلمان الروسي، فيكتور أوزيروف، إن القاعدة الجوية الروسية في محافظة اللاذقية والمنشأة البحرية الروسية في طرطوس، في شمال غرب سوريا، محميتان بنظامي «إس-300» و»إس-400» للدفاع الجوي الصاروخي. واعتبر أوزيروف، وهو رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد (المجلس الأعلى للبرلمان الروسي)، أن «نظامي إس-300 و إس-400 .. يضمنان بشكل كافٍ أمن قواتنا المسلحة على الأرض وكذلك عن طريق البحر والجو». ويؤكد معارضو الأسد أنه يخدع المجتمع الدولي حين يقول إنه تخلّص، بعد هجومٍ على الغوطة الشرقية لدمشق في أغسطس 2013، من مخزون الأسلحة الكيماوية لدى جيشه. وقُتِل مئات المدنيين في الغوطة آنذاك بعدما تعرضوا لغاز «السارين». وهدد الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حينها بضرب مواقع لجيش الأسد، معتبراً أن الأخير تجاوز «خطاً أحمر». لكن أوباما تراجع لاحقاً، بعدما وافق النظام، نظرياً، على التخلص من مخزون «الكيماوي» بموجب اتفاق توسطت فيه موسكو ويقول معارضون إنه لم يُنفَذ بالكامل بدليل الهجوم الأخير في إدلب.