هل سعى جوليان أسانج (مؤسس موقع «ويكيليكس») لكسر حدّة التوتر مع واشنطن، عن طريق تسليم نفسه للسلطات البريطانية، على خلفية مذكرة اعتقال بحقه في قضية تحرش واغتصاب، أصدرتها السلطات السويدية قبل أيام؟ هل تعب من كثرة التنقّل؟ هل أُثقل كاهلُه مادياً بسبب الضغوط المادية على موقعه، بحسب ما تشي به الهجمة الإلكترونية التي نفذها متضامنون مع «ويكيليكس» ضد الموقعين الرقميين لشركتي «فيزا» و «ماستر كارد» بعد رفضهما التعامل مع أسانج مالياً؟ المعلوم أن واشنطن أظهرت غضباً عارماً على انتهاك «ويكيليكس» خصوصية وثائق يفترض أنها سرية للديبلوماسية الأميركية. لقد هزّ الاعلام الجديد صدقية القوة الكبرى عالمياً، وأظهرها بهيئة من يعجز عن حماية ملفات حسّاسة. ويتوقع البعض أن يؤدي الأمر الى تغيّر ما في علاقة واشنطن مع بعض الدول، خصوصاً في المنطقة العربية، بحيث تصبح أشد حذراً عند تبادل الرسائل الديبلوماسية مع البيت الأبيض، كي لا يتكرّر التسرّب مع ما يحمله من إحراجات متنوّعة. لم يقف الغضب من أسانج عند حدود المكتب البيضاوي، بل تجاوزه الى الدول التي نشر «ويكيليكس» معلومات عنها. في المقابل، أظهرت إدارة أوباما قدرة على التحرّك لاحتواء هذا الانكشاف، على رغم ان معظم ما ورد في تلك الوثائق لم يَجْرِ تكذيبه بصورة مباشرة. ومنذ تأسيس «ويكيليكس» عام 2006، سعى الموقع إلى نشر الأخبار والمعلومات التي يرى أنها مهمة للجمهور. ويلاحَظ أن أسانج، وهو من قراصنة الكومبيوتر الفائقي المهارة، لم يستخدم قدراته الشخصية، وكذلك قدرات فريقه ومجموعات ال «هاكرز» الذي تسانده على ضرب نُظُم كومبيوتر، سوى الولاياتالمتحدة. ويميل بعض متابعي الشأن المعلوماتي إلى القول إن أسانج حاول ضرب عصفورين بحجر مفرد، إذ تساعده خطوة تسليم نفسه على الظهور بهيئة البريء الذي يوكل أمره للعدالة وينصاع لأحكام القانون، حتى لو كان رأيه أن التهمة الموجّهة إليه ملفّقة تماماً. ومن ناحية ثانية، تكتظ الوثائق التي كشفها «ويكيليكس» بالمعلومات عن فترة حكم الرئيس السابق جورج بوش، الذي يخوض حزبه الجمهوري حرباً قاسية ضد أوباما، كما ظهر في الانتخابات النصفية للكونغرس. ثمة مساحة غير صغيرة للتقاطع بين موقفي أسانج وأوباما يجدر التنبّه إليها أيضاً، فمثلاً: تعطي الوثائق مزيداً من الدعم لموقف أوباما القائل بضرورة الانسحاب من العراق، استناداً إلى عدم مشروعية الحرب على العراق، وسوء التصرف في المراحل التي تلتها أيضاً.