حرب من نوع جديد شغلت وسائل الإعلام المرئية في فرنسا، حرب قوامها الجمال والمال والانتقام. ففي أمسيتين متتاليتين حصلت فرنسا على ملكتي جمال وتابع الفرنسيون حفلتي انتخاب، الأولى ضخمة نقلت مباشرة على TF1 واستقطبت 8 ملايين مشاهد والثانية متواضعة اكتفت BFM المحطة الإخبارية الفرنسية، بنقل مقتطفات منها. TF1 دأبت على نقل الحفلة السنوية لانتخاب الملكة الفرنسية التي تنظمها لجنة خاصة تحت إشراف جنفياف دو فونتني التي كانت أول من نظم انتخابات الجمال عام 1954 في فرنسا. عرفت تلك بصرامتها وسيطرتها وتدخلها في كل ما يخص تصرفات الملكة التي كانت تعتبرها سفيرة لفرنسا لسنة كاملة. ثمة مشاكل بدأت تخرج إلى العلن حين ظهرت منذ عامين صور اعتبرتها دو فونتني «غير لائقة» بمن تمثل فرنسا، وذهبت في رفضها إلى درجة إعلانها نيتها خلع الملكة المنتخبة وتنصيب وصيفتها الأولى بدلاً عنها، لكنها خسرت المعركة. ثم جاء ما أثار الغضب الشديد لتلك السيدة حين ظهرت وصيفة الملكة في حلقات تلفزيون الواقع (نفس الشركة المنتجة لحفلة الانتخاب تنتج برامج تلفزيون الواقع وبرامج المنوعات)، ما دفع دو فونتني إلى التخلي عن لجنة الجمال وصفق الباب وراءها معلنة أنها ستنظم هذا العام انتخابات جمال فرنسية تتناسب مع «قيمها». لا بذخ ولا بخترة بالمايوه البيكني أمام المشاهدين، بل مايوه «محتشم» واختيار صارم للجميلات اللواتي يمثلن فرنسا بحيث لا يظهرن في صور خليعة أو برامج تلفزيونية لا تليق. نظمت إذاً من جيبها الخاص الحفل الأول لانتخاب «ملكة الجمال الوطني» بإمكانات متواضعة مقارنة بما يكرس سنوياً لانتخاب «ملكة جمال فرنسا»، وسعت لأن تنقل إحدى المحطات الفرنسية التي تحظى بنسبة متابعة عالية الحفل مباشرة. فحفلات كتلك تكتسب أهميتها من اهتمام الإعلام المرئي بها، والإعلانات التي يجلبها انتخاب مس فرانس واشراك المشاهدين في التصويت عبر الرسائل النصية، التي تكلف كل واحدة بالطبع أضعاف سعرها، يغري أية محطة تلفزيونية بنقلها. لكن هذا الحفل المجهول، من سيغامر بنقله؟ على رغم الإعلان المسبق عن عزمها نقل النسخة الأولى لحفل ملكة الجمال الوطني، تراجعت BFM واكتفت بنقل مقاطع وربما جاء القرار لإدراكها في اللحظة الأخيرة للفوضى والعفوية التي قد تصاحب التنظيم الأول لهذا النوع من التظاهرات مما لا يناسب النقل الحي. لكن رغم تكريس أكثر من ساعتين تلفزيونيتين للحفل الأول ودقائق معدودة للثاني. فإن تلك الدقائق التي أظهرت مدى التلقائية والعفوية في التنظيم وفي المرشحات أنفسهن، جعلت المشاهد يتقبل أكثر هذه اللقطات المسلية التي شهد فيها الخاسرات وهن يقفزن فرحاً حين سماع النتيجة ويهرعن لتقبيل «الملكة الوطنية» برحابة صدر وبهجة طفولية، وذلك مقابل التصنع والحركات المدروسة التي لا مكان فيها لدعسة ناقصة في حفل «ملكة فرنسا». والآن يطرح في فرنسا السؤال - المعضلة: أي ملكة ستمثلنا؟