من مِنا لا يحس بالضجر، يتلمس الملل؟ من مِنا لا يتسلل اليأس من نوافذ روحه؟ من هو الذي لا يمرّ بأوقات في نهاره أو ليله يلعن فيها حظه ويندب حاله ويُبدي استياءه؟ من منا خالٍ من كل هذه المشاعر المحبطة؟ لكن لو أنك توقفت لحظة، وتأملت في هذا العالم، وفكرت فيه وبمن هم فيه، في هذه الكرة الأرضية الواسعة من منكوبين ومهمومين، لو فكرت في نكبات الحروب والمجاعات والكوارث الطبيعية! في نكبات الخوف والوحدة والحرمان! نكبات التيتم والترمل والفقر، نعم فكل إنسان أمامه وخلفه ما يكفيه من مشكلات. لكن كل هذا لا يعني أن نرمي بأوراقنا وأسلحتنا ونرفع رايات استسلامنا بيضاء عالياً، فنزيد على عنائنا عناءً، وعلى آلامنا آلاماً، وعلى يأسنا وكآبتنا كآبة ويأساً. ممنوع هذا ومرفوض قطعياً. ثمة تمائم في متناول أيدينا وقلوبنا ضد كل ذلك، وثمة وسائل دفاع. يكفي أن تنهض في الصباح، تتلمس نفسك، تبتسم، تفتح نافذة الروح، تهبط إلى شارع الحياة، تبتاع حاجتك، تتبادل أحاديث عابرة مع عابري دروب الأوقات الخاصة والعامة. تكلّم مع هؤلاء العابرين. صبح عليهم. دعهم يتسللون بكلمة إليك وتتسلل بابتسامة إلى صباحهم. ستعاود الابتسام، وستعاود الانطلاق، لأنك انخرطت بالناس ومع الناس. لا تتهجم. ابتسم، فقط اديها ابتسامة واندس بينهم. شاركهم مشكلاتهم، أفراحهم وأتراحهم، ازدحام شوارعهم، قيظ ظهيرتهم. قاسمهم رغيفهم واسمع قهقهاتهم وأناتهم. شاركهم كلامهم وأمانيهم. عد إلى الماضي الجميل، حيث كان المسلم يهب إلى مساندة ومساعدة أخيه المسلم. عد كما كانوا أجدادنا. فاقترابنا من أصالتنا وجذورنا أمان لنا. واقترابنا من الناس أمان لهم ولنا. إنصاتك لهم تواصل لروحك. بوحك لهم هو جسر من الكلمات يصل قلباً بقلب وروحاً بروح. تبادل الأفكار بيننا يخلق تفاهماً بين أفراد مجتمعنا كافة. وهكذا نخلق الانسجام لا التنافر، نحلق التقارب لا التباعد. المهم الانخراط في الناس. فلا أحد عاد يتواصل مع جار ويعود قريباً. كل أصبح يعيش في برج عاجي، وهذه كآبة بحد ذاتها، أمّا الاختلاط بالناس فهو سعادة طالما أننا قررنا أن نسعد ونُسعِد من حولنا. هيا قم وانخرط في الناس. العالم في انتظارك في الخارج. البلد كله بحاجة إلى خطواتك، اهبط إليهم من دون تباطؤ. بنشاط واندفاع وحيوية كلما هبطت إلى الشارع، ازدادت أفراحك. كلما انخرطت بالناس، توهجت وتألّقت وأبدعت وفهمت وتوسّعت مداركك. وكلما شعرت بالأمان وأشعرتنا! اهبط الناس كلهم في انتظارك، فالناس للناس، والناس في بلادنا تحب الناس وتنتظر صوتاً يقول لها «مسّيك بالخير».... خلف الزاوية هل أنت من قسّم الرغيف ليكسر الجوع المحرّم للخريف؟ / ولكل أوراقي التي نثرت على ذاك الرصيف/ ما عاد في الوقت انتظار/ ما عاد في حرب المشاعر هدنة أو انتصار/ طبعاً وراءك... هل أُغامر وأُحوّل ذلك الصرح العظيم إلى دمار؟ [email protected]