يستمر استقدام اليد العاملة الأجنبية إلى دول الخليج في التزايد، على رغم محاولات الحكومات المحلية توطين الوظائف بسياسات «السعودة» أو «البحرنة» أو «العمننة». إذ أشار إحصاء نشره مركز أسواق الخليج والهجرة بوضوح إلى هذا الواقع، فضلاً عن ازدياد الضغط الداخلي على هذه الدول في اتجاه استقدام أعداد إضافية. ويُعزى ذلك إلى سبب اقتصادي بحت يتمثّل بالازدهار المنتج طلباً على يد عاملة إضافية، فإما يلبّيها عرض داخلي أو يُفتح مجال استخدام اليد العاملة الأجنبية في حال ندرة عدد السكان المحليين. وإذا ترافق ذلك مع انعدام خبرات محلية أو نفور المواطنين من مهن معينة لأسباب ثقافية (كالعمل في قطاع النظافة) أو لطبيعتها المرهقة (قيادة مركبات الشحن العملاقة)، ينفتح الباب أكثر لدخول يد عاملة أجنبية. اجتمعت هذه العوامل في الخليج لتوجد طلباً متزايداً على اليد العاملة الأجنبية. ولم تستطع أسواق العمل في دول المنطقة في عصر النفط، تلبية طلب عمليات الاستكشاف والتكرير المتخصصة، فأدت إيرادات النفط المتزايدة إلى توسع الأسواق الداخلية وزيادة الطلب على الموارد البشرية. ومضت عقود قبل أن تحقق تلك الدول اكتفاء نسبياً لطلب متعاظم، كما هي حال الوظائف في شركات النفط. وساهمت الرواتب المجزية وبرامج التدريب التي قدمتها تلك الشركات في جذب اليد العاملة المحلية لتوطينها على مدى سنين طويلة. وساعد على إقبال العمال والموظفين المحليين تشابه نظرتهم إلى شركات النفط كتلك إلى مؤسسات الدولة لجهة الرواتب والاستقرار الوظيفي. وعجز العرض المحلي عن تلبية الحاجة إلى أعمال يدوية كان بعض المجتمعات الخليجية البدوية ينفر منها. وفُتح المجال في شكل غير مسبوق لطلب على خدم المنازل، إذ مع تحسن مستويات المعيشة ودخول المرأة الخليجية إلى سوق العمل، تشكلت الحاجة إلى استقدام عشرات الآلاف من اليد العاملة إلى الخدمة المنزلية. الهجرة عالمياً وعلى رغم تفرد الحالة الخليجية من جوانب كثيرة، يرصد آخرون وجود عناصر شبيهة لحالات اقتصادية في العالم، إذ اعتبرت أستاذة طب العائلة والمجتمع في جامعة الخليج العربي رنده حماده، أن «واحداً من كل 35 شخصاً في العالم هو مهاجر دولي يبحث عن فرص عمل في بلاد أخرى». ولفتت إلى وجود « 232 مليون مهاجر في العالم يمارسون عملاً يدر دخلاً مالياً على بلدان الأصل ويساهم في إنعاشها». وتشكل الولايات المتحدة والاتحاد الروسي وألمانيا والسعودية والإمارات بعض أكثر الدول استضافة للهجرة. وتستقبل بعض الدول المضيفة مهاجرين من دول معينة لأسباب تاريخية. وكمثال، تتكون أكبر الجاليات الأجنبية العاملة في البحرين من جنسيات تنتمي إلى شبه القارة الآسيوية، كالهند وبنغلادش وسريلانكا ونيبال. وترقى العلاقات البحرينية الآسيوية إلى بواكير التاريخ التجاري في العالم، واستمرت ما يقرب من 5 آلاف عام بانتظام. وتختلف دول تستخدم يداً عاملة أجنبية عن الحالة الخليجية لأن الوضع فيها معكوس، إذ يمثّل العمال الأجانب غالبية تتفوق مرات على اليد العاملة المحلية. لذا لا تشكو دول مستضيفة كالولايات المتحدة وألمانيا وروسيا، من أن يؤدي حضور اليد العاملة الأجنبية في أوساطها إلى التأثير في طبيعة النسيج الاجتماعي المحلي. لذا أصبح وجود العمال الأجانب أحد مواقع التجاذب بين المؤسسات العمالية. وأوضح رئيس نقابة «ألبا» علي البنعلي، أن «حجم اليد العاملة الأجنبية يناهز 70 في المئة من تلك في البحرين»، وهو ينعى الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين فشله في جذب أعضاء أجانب لنقاباته، وهو وفق موقع وكالة أنباء عمال الخليج العربي يحارب لأسباب سياسية، كل عربي أو أجنبي يعمل في البحرين. ويستقيم هذا التجاذب في ظل اهتمام منظمات العمل العربية والدولية بالحالة العمالية في البحرين والخليج. وتُستخدم هذه اليد العاملة وسط ضغوط عالمية على الدول الخليجية لإيجاد شروط معينة تحكم بيئة العمل، وتستجيب أكثر حقوقَ اليد العاملة الوافدة متجاهلة محاولة الخليجيين الحفاظ على هوية بلدهم. وبدلاً من النظر إلى الحالة الخليجية كاستثناء، سواء في تقديمها الفرص لملايين البشر لتحسين ظروفهم الحياتية أو من حيث تراجع مكانة المواطنين في بلدهم، نال العمال الأجانب أهمية أكبر من اعتناء المؤسسات العمالية الأجنبية. وعلى سبيل المثال ضم لقاء أخير وزير العمل البحريني جميل حميدان ومدير البرنامج الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز التضامن الأميركي نادر تادروس الذي أشاد ببيئة لائقة تتمتع بها البحرين، «تعزز حقوق العمال في ظل تشريعات متقدمة تدعم الحقوق المكتسبة لليد العاملة الوطنية والوافدة، وتعزز البيئة الاستثمارية والتنموية». وكان البنك الدولي حاضراً في ورشة عمل عقدت في أبو ظبي أخيراً. وهكذا بات الاهتمام بشروط عمل هذه اليد العاملة، موضع متابعة دول غربية ومؤسسات دولية، لا تقابله العناية بحقوق سكان محليين باتت هوياتهم مهدّدة في ظل تنامي اقتصاداتهم الجاذبة، بل من تناقض الأمور أن حالة الفقر الشديد تدفع أعداداً كبيرة من تلك اليد العاملة في بلدانها الأصل. وفي وقت يخضع فيه الاقتصاد الخليجي لتدقيق في شروط عمل الأجانب، لا يُحقق في ممارسات مكاتب توظيف واستقدام في دول المنشأ أو مرابين محليين في قرى وبلدات لاستغلال الفقر الشديد لهؤلاء العمال، فتقدّم مكاتب العمل لهؤلاء فرص عمل في الخليج لقاء رهن أراضيهم أو حين إقراضهم في مقابل نسب ربوية مرتفعة.