قدرُهم أن يعيشوا ما تبقى من حيواتهم على الكراسي والسرر. بمجرد أن تدلف إلى داخل مستشفى النقاهة في الرياض، الذي ينزل فيه إجبارياً نحو 130 شخصاً، غالبيتهم ضحايا لحوادث مرورية، ستجد نوعاً من المزيج الغريب المكون من الإحباط والإيمان في آن؛ يشع من وجوههم. ما إن تبدأ بالحديث معهم عن قصصهم، وكيف آلت بهم الحال إلى ما آلت، تجد عيونهم تسبق ألسنتهم بعبارات التمني لو أن «نظام ساهر» طبق منذ زمن بعيد، قبل أن يحصل ما حصل، تمنوا حين نطقت ألسنتهم أنه لو جاء ما يوقف نزيف الدم على الشوارع ويقلل من عدد الذين تقلصت حياتهم على تلك الكراسي المتحركة والسرر الرازحة قبل أوان طويل. رووا قصصهم ل«الحياة»، أولهم كان علي العمري الذي يتذكر كيف قذفته السيارة لحظة الحادثة المشؤومة لأمتار عدة، قبل ان يدخل في غيبوبة لشهرين، ويكمل عامين آخرين على سرير أبيض. العمري الذي لم ينه عقده الثالث كان يسير بسيارته بسرعة جنونية متجهاً إلى عمله صباحاً عندما لم يستطع التحكم بالسيارة، فجمحت به ولم يوقفها إلا أحد أعمدة الشوارع. يقول: «قدّر الله لي أن أكمل حياتي على كرسي، وأنا لم أتجاوز عقدي الثالث من العمر بسبب حادثة مرورية مروعة، دخلت إثرها في غيبوبة لشهرين كاملين، ثم لازمت بعدها السرير عامين». ويتوقف عن حديثه للحظات قبل أن يقول بلهجة يملأها الإيمان: «قدر الله وما شاء فعل»، ثم يستطرد: «أعتقد بأنه لو فُعّل نظام «ساهر» قبل عامين لما كان حالي كما هي عليه الآن». ويتابع: «كانت هناك أحلام أود تحقيقها، وكنت أعتقد بأن الحياة أمامي طويلة، لكنني لن أيأس لتحقيق جزء من أحلامي، أما والجزء الآخر فيتطلب جهداً مضاعفاً». من على كرسيه المتحرك يروي أحمد الشهري ل «الحياة» قصة عمرها 12 عاماً: «على أحد الطرق السريعة وقعت لي حادثة أصابتني بالشلل الكامل، ولم يعد في جسمي ما يتحرك سوى رأسي». وعلى رغم ان الشهري مصاب بالشلل الكامل، إلا أنه اعتبر الحادثة «بداية جديدة»، إذ لم يستسلم لما أصابه، ف «كسر القاعدة» وحقق بعد عجزه الجسدي ما لم يحققه قبله «أكملت دراستي الجامعية والماجستير، وأطمح للدكتوراه». وأضاف: «عند خروجي من المنزل أرى شيئاً جديداً لم أعهده سابقاً، فالانضباط المروري في الشوارع والتقيد بالسرعة بات أفضل بكثير، أذكر أن طريق الدائري الشرقي كان أشبه بسباق الرالي... لقد تغير الوضع كثيرا». ويشير إلى أنه يلاحظ انزعاج البعض من نظام ساهر، «ألاحظه من المقربين لدي الذين لا يكفون عن التضجر منه، لكنه حد كثيراً من نسب الحوادث وهي خطوة جيدة لا يعي إيجابياتها إلا من تسببت الحوادث المرورية بإعاقته، وأجبرته أن يكون حبيس السرير». في زاوية أخرى من المكان بدأت قصة منذ خمسة أعوام بطلها نايف الشمري، رواها ل «الحياة»، بقوله: «على أحد الطرق السريعة في الرياض وفي ساعة متأخرة من الليل كنت عائداً إلى المنزل، عندما انحرفت سيارتي». لا يذكر الشمري شيئاً مما حصل، «وجدت نفسي على السرير الأبيض مقعداً وحبيس هذا الكرسي المتحرك. كنت شاباً في ريعان شبابي أطمح في الكثير». «تسببت الحادثة المرورية في دخولي في حال نفسية لم أخرج منها إلا بعد 3 أشهر، كنت رافضاً نظرات الرحمة والشفقة، وتلك الأيادي التي امتدت للمساعدة، لم أكن معتاداً على ذلك» كما يقول نايف الذي يؤكد أنه تخلص من تلك الحال إلى غير رجعة. ويضيف: ربما كانت هناك مبالغة في تسجيل المخالفات عبر نظام ساهر، إلا ان الصرامة في البداية ستعود بالخير على المجتمع، حتى ينضبط سلوك السائقين»، مشيراً إلى أن حدوث أخطاء وارد لعدم جاهزية النظام من جميع النواحي، «لكن أعتقد بأنه بعد ضبط الحركة المرورية ستصبح القيادة الهادئة سلوكاً لدى المواطنين». 95 في المئة من نزلاء مستشفى النقاهة... بسبب الحوادث الأربعاء... «يوم الموت» في العاصمة الرياض دماء على الإسفلت