هل بدّد فشل «الإخوان المسلمين» في انتخابات مجلس الشعب (البرلمان) المصري، حلم الدولة الدينية في مصر؟ ... وخذل شعار الحشد الذي لوّحت به جماعة «الإخوان» على مدى سنوات؟ هل جاز القول ان الناس لم تعد ميّالة الى مشروع الإسلاميين للحكم؟ هذه اسئلة مطروحة، على رغم كل الكلام الذي يقال عن التزوير، والتعامل مع قضية «الإخوان» باعتبارها ملفاً أمنياً وليست حالة سياسية. فشل «الإخوان» أثار جدلاً لدى بعض النخب، حول أهمية فشل الجماعة في التأثير على علاقة الاسلاميين بالعمل السياسي والحزبي في العالم العربي. وبدأ النقاش بأسئلة مهمة: هل يفضي هذا الإخفاق الى التفكير على الطريقة التركية؟ هل يغيّر الإسلاميون في الدول العربية استراتيجيتهم، وينتقلون من اليمين المتشدد الى يمين الوسط، ويسار الوسط، وينفتحون، ويتكلمون لغة تفهمها الأجيال الجديدة في المنطقة؟ كثرة الأسئلة بداية مشجعة، لكن التفاؤل بالإسلاميين في منطقتنا الى درجة استدعاء التجربة التركية يبدو كأنه استعجال وترف في التفكير. الإسلاميون الأتراك ذهبوا بعيداً في رؤيتهم المتحضرة للحفاظ على الهوية الإسلامية للمجتمع، والتمسك بلحمة الدين، بعدما تعذر عليهم تأسيس الدولة الدينية. هم على نحو ما، استلهموا تجربة الأحزاب المسيحية والشيوعية في أوروبا. تقدموا على «حزب أتاتورك» الذي كان يمثل المرحلة التقدمية في تركيا منذ قرون، فضلاً عن الأحزاب الليبرالية واليسارية . ومن يقارن «حزب العدالة والتنمية» وحيويته، بنهج الأحزاب الأخرى، لا يملك إلا أن يعجب بالخطوات التي خطاها الإسلاميون الأتراك. أصبحوا يليقون بالإسلام. في العالم العربي ينادي الاسلاميون باقامة دولة الخلافة، وفي تركيا يسعى التيار الاسلامي الى الحفاظ على ثقافة دولة الخلافة وقيمها. أدرك الإسلاميون الأتراك ان الناس أعلم بأمور دنياهم. فاستبدلوا التعايش والمصالح، بالشعارات. وظل الإسلام عزيزاً في تركيا، من دون ان يجلس الشيخ على كرسي الحاكم. العرب هم الأوْلى بهذا الوعي. حين تولى أبو بكر الصديق الخلافة الراشدة بعد الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، اجلس عمر بن الخطاب على كرسي القضاء. كأنه يقول له، أنا الأمير يا عمر، وأنت الشيخ. هكذا قامت الدولة الإسلامية على مدار التاريخ. لكن الإسلاميين يريدون المزايدة على تراثنا السياسي والثقافي، يخلطون العمل الصالح بالأفق الضيق. يزكّون أنفسهم، والإسلام ضد تزكية النفس. الإسلاميون لا يختلفون عن العسكر... يديرون الحكم بالإخضاع، لا بالسياسة.