تحفل الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية هذه المرة بالمفاجآت مع صعوبة توقع اسم المرشح الذي سيفوز فيها. ومنذ الإعلان عن تورط المرشح الجمهوري فرانسوا فيون في فضيحة مالية في كانون الثاني (يناير) الماضي اتخذت الحملة منحى لم يسبق له مثيل في تاريخ الجمهورية الفرنسية. واتهم فرانسوا فيون أخيراً «باختلاس أموال عامة»، إضافة إلى ما أطلق عليه تعبير «بينيلوب غيت» وهي شبهات بوظائف وهمية أسندها فيون لزوجته وولديه حين كان نائباً في البرلمان. ومنذ كشف جريدة «لوكانار أنشينيه» الساخرة للمعلومات حول فيون، بات هذا الأخير الشغل الشاغل للإعلام الفرنسي، بخاصة بعد تمسكه بالترشح للرئاسة والاستمرار حتى النهاية في حملته الانتخابية على رغم هذه الاتهامات وتخلي عدد من مؤيديه في الحزب الجمهوري عنه. وما زالت قضية فيون تشغل وسائل الإعلام الفرنسية والرأي العام، وهو ما ترك أثراً كبيراً إعلامياً على سير الحملة الانتخابية لجميع المرشحين من حيث تركيز الاهتمام على «الفضيحة» وعدم إعطاء البرامج الانتخابية الأولوية مع اقتراب الانتخابات التي ستجرى في 23 نيسان (أبريل) والسابع من أيار (مايو). وكان فيون المرشح الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات، لكن شعبيته تراجعت على نحو واضح بسبب كل هذه الفضائح. ويسلط الإعلام أضواء ساطعة على فيون بحيث تتصدر أخباره العناوين ويتم البحث عن كل شاردة وواردة في ماضيه ليخرج علينا الإعلام يومياً بجديد يتعلق بفضيحة. وما إن تهدأ أخبار الفضيحة حتى يتم الكشف عن أخرى. وكانت «فرانس2» (تملكها الدولة) أخرجت من الأرشيف مقابلة قديمة لزوجة فيون تؤكد فيها عدم عملها إلى جانب زوجها، ما اعتبر دليلاً إضافياً على الوظيفة الوهمية. ولكن هل بالغ الإعلام الفرنسي في الحديث عن قضية فيون؟ 57 في المئة من الفرنسيين يقولون نعم! فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته «هاريس انتراكتيف» نشر أخيراً أن 57 في المئة من الفرنسيين يعتقدون بأن الإعلام متحيز على نحو سلبي تجاه مرشح الجمهوريين فرانسوا فيون، وأن الساعات المكرسة على الشاشة للحديث عن «بينيلوب غيت»، أثرت في شعبيته وأدت إلى هبوط حاد فيها. كما أعرب 55 في المئة من الفرنسيين أن هذه المعاملة تنسحب أيضاً على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن. وعلى العكس منهما يبدو إيمانويل ماكرون (وسط) «مدلل» الإعلام حيث أظهر الاستطلاع أن 46 من الفرنسيين يرون أنه يستفيد من تحيز إيجابي. هذا التعامل الإعلامي مع الحملة الانتخابية جعل 86 في المئة من الفرنسيين يعتبرونها مخيبة للآمال إذ تسودها «الفضائح والكذب والفساد». وشكك المرصد الإعلامي «ACRIMED» بنتائج استطلاع أجرته محطه «بي أف أم» الإخبارية (مملوكة لرجل أعمال شهير فرنسي إسرائيلي ويملك معها جريدتي «الإكسبرس» و «ليبراسيون») مباشرة بعد مناظرة بين المرشحين الأوفر حظاً أجريت على «تي أف1» (الخاصة) أخيراً، حيث أظهر أن «ماكرون» كان الأكثر إقناعاً بين المرشحين فيما بينت استطلاعات أخرى على الإنترنت- نشرها موقع المرصد- أن جان لوك ميلانشون (أقصى اليسار) كان هو الأكثر إقناعاً. أما فيون، فكما يقول المثل الشعبي «فوق الموتة عصة القبر»، فها هو المجلس الأعلى للسمعي البصري في فرنسا الذي يراقب سير الحملة الانتخابية إعلامياً ويسعى لظهور متساو لكل المرشحين على الشاشات الفرنسية، يحتج بأن الوقت المكرس في الإعلام الفرنسي لفيون «زائد إلى حد غير طبيعي»! كان بود المرشح بالتأكيد أن يُعفى من هذا الوقت الزائد!