هل هناك مسرحٌ شابّ في الوطن العربي؟ تجاوزت الندوة الفكرية الوحيدة في مهرجان دمشق المسرحيّ الخامس عشر، إجرائية مفهوم «المسرح والشباب»، بطرح خمسة محاور للنقاش أفضتْ إلى إشكاليات أكثر تعقيداً في واقع هذا المسرح. ثلاثة عشر بحثاً مُشارِكاً حشرتْها طبيعةُ المهرجان الاحتفاليّ في وقت ضيّق (يومين)، مع محاورها (المشروع الفنيّ والفكريّ الشابّ الجديد، إشكالات التمويل، جمهور المسرح الشابّ ولغة المخاطبة، الأشكال الفنّية الجديدة «الكلمة والصورة» لديهم، وضع أسس نقدية لتصنيف مسرحهم). كل مسرحيّ عمره تحت الخامسة والثلاثين، وكل عرض احترافيّ مستقلّ لفرقة مسرحيةٍ تهدف إلى مخاطبة الجيل الشاب والتعبير الفنيّ عنه، هو مقصد النقاش في الندوة، كما أعلنت في كراسها، اجتناباً للخلط مع مسرح الهواة ومسرح «الكبار» إن جاز التعبير، أو التبعية للمؤسسة الريعية. واختصر المداخلون ما كتبوه ليقرأ كلّ واحد منهم في عشر دقائق وجهةَ نظره المجتزأة من بحثه، ليسمع في اليوم الأخير اعتراض الناقد عبد الحليم المسعودي حين أتاه الدور: «لم آتِ من تونس لأتحدث عَشْرَ دقائق»، فالرجل استعان بتسعة مصادر، ومقالات عدة، بينها ميتولوجيات رولان بارت، لإتمام بحث أتى فيه على أن تسمية مسرح الشباب متأرجحة: «بين التخصيصية العابرة والمفهوم الصعب ترويضه وتداوله. فمسرح الشباب يعني كُلّ شيء، ولا يعني أيَّ شيء، ومن الجليّ أن التّسمية مرتبطةٌ بالممارسة المسرحية»، إذاً، وفق المسعودي لا يمكن فصل التسمية عن الحدث التاريخيّ الملتبس بالحدث السّياسيّ كما هي الحال عند ظهور هذا المفهوم أواخر الستينات في فرنسا في الفترة المُتوّجة بثورة الطلاب في أيّار( مايو) 1968 في باريس، أمّا المفهوم عربياً فهو ما يَمرّ به «التجديد المسرحي» دون ذكرٍ فعليّ لتسمية مسرح الشباب. الأشكال الجديدة للمسرح التجريبيّ في أميركا واحتضانها ثقافةَ جيل الشباب، من المزاح غير الموقّر في نصوصها، إلى سرقة الأعمال الكلاسيكية الكُبرى للجيل السابق والتقليل من أهميتها، توضّحت لدى الأستاذ المساعد في جامعة نيويورك للمسرح إدوار زعيتر من خلال تجربة فرقتين مسرحيتين أميركيّتين شابتين «big dance theater» و «radiohole» تُعبّران عنِ التغيير الجيليّ في المسرح العالمي المعاصر، إذ تتمحور أعمالهما حول أفلام عمرها نحو خمسين عاماً لم يُشاهدْها سوى عدد قليلٍ من الجمهور، في عرضَينِ هما «whatever, heaven allows» و «comme toujours, here I stand». وتظهر ارتجالات المسرح على الخشبة وصناعته فرجة أمام الجمهور، ويُقارب زعيتر بالإشارة إلى العرضين حالةَ التجريب العربية، إلاّ أن الانفتاح على الاحتمالات في المسرح الأميركي أكثر جرأةً خصوصاً مع وجود قاعدة عرض للمسرح القديم أو الكلاسيكي، ما هو غير متوافر بكثرة عربياً، أي أنّ الحداثةَ العربية في المسرح أتتْ بعد فجوة وانقطاع للصلة مع القديم العالميّ أو سواه. ولم يمنع الأمر صاحبة كتاب «سقوط المحرمات» وطفاء حمادي من إبانة تأثيرات تيارَي الحداثة وما بعد الحداثة في مسرح الشباب، والإقرار بظهورها بناءً على ظهور الفردية والوعي المستقل والاهتمامات الخاصة. وترى الباحثة اللبنانية أن التأثير الحداثي تَعدّى الممارسات المسرحية الشبابية ليطول بنيةَ النص برفضه البنية السردية من أجل التزامن والتوليف «montage»، وإنكاره الشخصيةَ المتكاملة من أجل التأكيد على الذات المُتهدِّمة، كلّ هذا مع توجُّهٍ لاستخدام تقنيات الفيديو آرت والتشكيل ومفاهيم الأداء وما بعد المسرح. إضافة إلى ذلك، عرض مداخلون شباب نظرتَهم إلى هذا المسرح، وحاول مُؤسّس مُختَبر عمّان المسرحي السوري فادي سكيكر الإشارةَ إلى تجارب مماثلة للمسرح التطبيقي/ التفاعلي (يُشرِف هو عليه) لنشر الفن الفرجويّ في المخيّمات والمناطق النائية في الأردن، ليبدو المشهد المسرحيّ الأردنيّ الشابّ ضئيلاً بإعادته إحياءَ الحكايات الشعبية في أعمال حسام عابد، والتأطير اليومي واستنباط قصص حياتية لأناس عاديين كما في التجربة المسرحية للانا ناصر. إنه مسرحٌ يتجاوز الأُطُر التقليدية وُصولاً إلى أشكال جديدة يُقدّمها إلى الجمهور، كما في العرض السوري «المرود والمكحلة» نص عدنان عودة، الذي أخضعه الكاتب المسرحيّ الشابّ عبد الله الكفري خلال الندوة لإشكالية عدم استهواء النصوص الشابة وخطابها للمخرجين والمسرحيين في سورية، قائلاً: «أسباب ذلك، تبدأ بشرط الإنتاج وتشمل العلاقة بفضاءات العرض دون أن نغفل القلق من حسابات الجمهور وتَلقّيه»، ويجزم الكفري بأن إحدى المساحات الفُضلى لبعض الكُتّاب الشباب العرب هي الواقعية المُختَبِرة للحاضر والتفاصيل اليومية ثم اعتماد القوالب الكلاسيكية لمصلحة الانشغال بالمضمون، وفي هذا السياق تظهر اللغة المسرحية حارَّةً، جارِحةً، صادِمة. تتساءل المخرجة السورية رغدا الشعراني عن سبب معاملة مسرح الشباب حتى الآن دون النظر إلى استقلاليته بل إلى كونه بداية ضعيفة للمسرح، «المسرح الكادح» المجرد من أي ميزات إضافية، تحت ظل عدم الثقة، كما أن إبعاد بعضهم الكبار لقب «المسرحي» عن غيرهم ممن هو في سن الشباب، أثار الشعراني لتُطالِب بالمساواة والنِّديّة. إضافةً إلى استياءٍ آخرَ للمخرج السوري الشاب رأفت الزاقوت من تسييد النصوص المسرحية التي لا تأبه بالممثل على حساب شكل من «البرستيج المسرحي، والنخبوية» رابطاً بين المسرح والممثل القادر على الجدل والحوار، ومتذمراً من الاستسهال في المعالجة الدراماتورجية، فهل فعل الزاقوت نفسُه ما طالَبَ به، خصوصاً في تجربته الإخراجية الأخيرة المعتمدة على نصّ «الزوج المخدوع» لموليير؟ لم نر في هذا العمل أي ارتباط سوى بالهزل المجاني! يُطرح المسرح العربي الشاب دون منهجية، إذاً ما الأزمة التي أفاق عليها الباحثون؟ يرى المخرج والباحث اللبناني طلال درجاني أن المسرح العربي في الأساس يعاني أزمةً مستمرة، لأن قوانين النشأة كانت غير أكاديمية، وتساؤله هو «متى كان هناك شبه نهضة على مستوى المسرح العربي؟». ويخلص درجاني إلى القول بدور أساسي للشباب بأمثلة عالمية: «عندما بدأ ستانيسلافسكي البحث عن منهجه المسرحي كان شاباً جداً، وعندما جلس مع نميروفتش دانتشنكو ساعاتٍ طويلة لوضع حُلول منهجيّة في عالم الإخراج والتمثيل، كانا شابَّين جداً». في المسرح الشابّ يُهمّش النصّ الدرامي أو يُقلّل منه، ومن ذلك يتكهّن الباحث وأستاذ جامعة فاس يونس لوليدي بموت التجربة المسرحية المُتدرّجة صعوداً من اللاشيء، ويضع شاهداً قول ألكسندر دوما (الابن): «لا يصبح المرء مُؤلّفاً درامياً، لأنّه إمّا مؤلف درامي، أو ليس كذلك من الوهلة الأولى».