أكثر من علامة تميز معرض «خارج الألبوم» الذي انطلق في القاهرة أمس في شقة خاصة (ضاحية الزمالك)، ترتبط أولاها بالمكانة المتميزة التي تحتلها صاحبتها المصورة الفوتوغرافية راندا شعث على ساحة التصوير الصحافي في مصر. بدأت شعث المولودة في القاهرة لأب فلسطيني هو الوزير نبيل شعث وأم مصرية، عملها كمصورة صحافية قبل 20 سنة في وكالة الصحافة الفرنسية، ثم انتقلت الى العمل في صحيفة الأهرام «ويكلي» التي تصدر بالإنكليزية في مصر قبل أن تستقر في صحيفة «الشروق» التي قامت بتأسيس قسم التصوير فيها قبل نحو عامين. وكانت درست العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة ونالت درجة الماجستير في الإعلام المرئي من جامعة مينسوتا في الولاياتالمتحدة عام 1987. وإلى جوار رصيدها الكبير من الخبرات المهنية التي شملت تدريس التصوير في ورش عمل ومعاهد تخصصية تملك شعث أرشيفاً لا يحفل فقط بالصور وإنما بالكتب المصورة التي جاءت عبر العمل على موضوعات بعينها. فهي تفضل دائماً النظر الى تجربتها كفنانة موضوع، ويتجلى ذلك بوضوح في معارضها وكتبها. فكتابها الأول «وطني كل مرمى حجر» كان نتاج رصد لحالة سكان مخيم كندا على الحدود الفلسطينية - المصرية في رفح. فيما كتابها الثاني، «تحت سماء واحدة: أسطح القاهرة» يرصد مختلف أشكال الحياة وتناقضاتها فوق أسطح البنايات في وسط المدينة. وإلى جوار هذين الكتابين عملت شعث على موضوع بعنوان «عالرصيف» يكشف ديناميكية التغيير والعلاقة المعقدة بين الناس والمكان العام في القاهرة. ويؤكد معرضها الجديد «خارج الألبوم» طريقتها التي تشبه الى حد كبير طريقة عمل «الباحث الاجتماعي» الذي يبدأ من فرضية ثم يسعى الى اثباتها تدريجياً. ومن ثم لا ترى نفسها «صائدة لحظات» وتفضل دائماً النظر الى أبطالها كموضوعات لبحث طويل، تتآلف معهم لتصبح طرفاً أصيلاً في عالمهم قبل أن تمارس هوايتها في انتهاكه. وفي المعرض الجديد الذي يستمر اسبوعاً تغير راندا شعث من اسلوبها في التعامل مع اللون، اذ استبدلت الألوان بالأبيض والأسود. وكانت بهذا الخيار تقاوم تحوّل صورتها الى «كارت بوستال» وتضفي عليها سمة «نوستالجية» وحميمية تنفر فيها من «البريق الزائف» الذي يغيب الحقيقة. ربما لأنها كانت دائماً معنية بقدرة الصورة على انتاج الخبر الصحافي ودعمه. لكن في «خارج الألبوم» تتحرر من أسر الخبر من دون التخلي عن القاعدة التي كانت تقودها دائماً لأنها لا تصور بشراً لا تعرفهم، وبصورة ما تطبق مقولة الروائية الإيطالية «سوزانا تامارو» اذهب حيث يقودك قلبك». هذه المرة تبدو صور شعث، كأنها نتاج عمل منوم مغناطيسي، اذ استسلم أبطالها وانخرطوا في لحظاتهم الخاصة، وتغلبوا بمعنى ما على سحر الصورة، قبل ان تسحبهم الى عالمها. تعترف شعث أن كل الشخصيات التي لها صور في المعرض صورت في لحظة حميمة من دون استعداد رسمي للتصوير. وتوضح انها كانت معنية بلحظة انسانية قبل أو بعد اللحظات التي عادة تسجل وتحفظ في البوم او تنشر في جريدة، وترى انها لحظات لا تقل عنها في أهمية التسجيل. وبخلاف التغييرات الأسلوبية تقاوم بخيارها في العرض داخل شقة سكنية خاصة بدلاً من «غاليري» القوانين التي عمل مديرو قاعات العرض الفني على تسييدها. وتفسر قرارها قائلة : «واجهت بعض التعنت من عدد من القاعات سواء في المواعيد أو من أسعار الصور وقيمة الربح المتوقعة. وقتها عرض علي صديق أن أعرض في منزله. حين فكرت وجدتها مناسبة حتى لفكرة صوري لأن أغلبها حميمية ويليق أن تكون محتضنة في منزل». هكذا تقدم شعث فكرة الألفة كوسيلة لحل شفرة المعرض القائم على تصوير الكثير من الأهل والأصدقاء والقليل من الأماكن المعروفة ومن الشخصيات العامة حيث يظهر في صورها الروائي علاء الأسواني ولكن بزي مهنته كطبيب وهو يطالع صورة أشعة لواحدة من مرضاه. وتظهر السيدة جيهان السادات وهي تتأمل قطتها من بعيد، كما يظهر الروائي مكاوي سعيد في مقهاه القاهري وهو ينظر في هاتفه الجوال، فيما يظهر الكاتب السياسي الراحل سعد كامل وهو يقوم بحلاقة ذقنه قبل شهور من وفاته. تعتقد شعث أن قرارها بالعرض في «شقة» هو حل لابتكار «المكان البديل»، وقد يشكل حافزاً يدفع زملاء آخرين من المصورين الذين يعرضون قضايا مختلفة ومهمة وليست أصلاً للبيع لتكراره والعرض في شقق أخرى تؤجر لغرض محدد ولمدة محددة. وتتحدث شعث بحماسة عن فكرتها الجديدة لكنها ترى ان النتائج ستعرف بعد انتهاء معرضها. وتضيف: «بالنسبة لي أشعر بالنجاح وذلك لحماس الأصدقاء للفكرة ومساعدتهم لي على تحقيقها دون مقابل. فالصديقة نانسي عبد الفتاح تساعدني في اضاءة المكان، وهبة خليفة وصلاح عبد الشافي في التعليق ورضوى مدحت في الدعاية وكثيرون بعرضهم للمساعدة» ولدى سؤالها عن سبب تسمية معرضها «خارج الألبوم»، تقول: «البطل عندي دائماً هو الإنسان، خصوصاً كلما ازداد اقتراباً من نفسه ومن انسانيته».