ليس غرض لقاء أوباما وناتانياهو تغيير موقف الواحد أو الآخر. فهو فرصة لوضع الأوراق على الطاولة، ومحاولة التماس رأي وسط بين طموحات باراك أوباما الكبيرة وبين طموحات نتانياهو المتواضعة والخجولة، في شأنين: الملف الإسرائيلي - العربي، ومسألة إيران. وفي الشأن الثاني، يستعجل رئيس الوزراء الإسرائيلي البت، فيما يطلب الرئيس الأميركي التأني والاعتدال. والحق أن الذين يستبقون نزاعاً أو مجابهة بين إسرائيل والولايات المتحدة يقللون مكانة علاقات الطرفين الجيدة في ميزاتهما، على الأقل في المرحلة الأولى من المفاوضة. ومناقشة موقف نتانياهو من حل الدولتين من غير أهمية وغير ذات موضوع. فرئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت، وقبله آرييل شارون، أقرا مبدأ دولة فلسطينية. ولم تتقدم عملية السلام، على رغم هذا، خطوة الى أمام. وفي الأثناء «تقدمت» المستوطنات واتسعت. وفي ولاية أولمرت نشبت حربان (في لبنان وغزة). وحمل نتانياهو على التلفظ بالكلمتين السحريتين، خطأ. فيسوغ إذ ذاك قوله: «قمت بتنازل كبير وأنتظر الوعد (بثمن)»، في حين أن التلفظ بالكلمتين ليس تنازلاً، وحري بأوباما اعتبار قبول نتانياهو بالدولتين أمراً مفروغاً منه. وما تنويه إدارة أوباما هو إقناع إسرائيل بجدوى تحقيق سلام بينها وبين جيرانها كلهم. وهي تسعى في مساندة رئيس السلطة الفلسطينية «أبو مازن». والمبادرة العربية قد تجند وراء الرئيس الفلسطيني دعماً شعبياً في البلدان العربية. وهذا قرينة على إرادة جديدة، بينما لم تكن إدارة بوش معنية فعلاً بحل النزاع الإسرائيلي - العربي. ولا أرى أن أوباما قد يدعو «حماس» الى طاولة المفاوضات. والإدارة الجديدة تذهب، محقة أو مخطئة، الى أن «حماس» لم تقدم تنازلات للسلطة الوطنية الفلسطينية. والانفتاح على «حماس» مؤداه طعن «أبو مازن» في الظهر. وإذا رغب أوباما في ذلك، فالأرجح ألا يماشيه الكونغرس الأميركي. وفي الوقت الحالي، الظروف الفلسطينية غير مؤاتية. فليس ثمة حكومة وحدة وطنية، ولا يبدو «أبو مازن» مستعجلاً ضم «حماس» الى حكومة من هذا الصنف. وإدارة أوباما لا تستبعد معالجة الملفات الأخرى، ومنها الملف السوري، في آن. فهي مقتنعة بأن الملفات مترابطة، أكانت الملف العراقي أم الملف الإيراني أم الملف السوري أم الملف اللبناني أم الملف الفلسطيني. وتقدِّر أن انخراط سورية في عملية السلام يدعوها الى حمل حلفائها، «حماس» أو «حزب الله»، الى الاعتدال، ولكن استئناف المفاوضات مع سورية لن يجعل إدارة أوباما تقبل بالجمود في معالجة الملف الفلسطيني، وتنحية الملف جانباً. والإشارات الإسرائيلية في هذا الصدد متناقضة. فنتانياهو يُظهر أنه غير معني ولا مهتم بمفاوضة سورية، بينما يهمس مستشاروه أن التقدم مع سورية أيسر منه مع الفلسطينيين. وفي الأثناء، لم يذهب جورج ميتشل، الموفد الخاص الى الشرق الأوسط، الى دمشق. والتكهن بممارسة أوباما ضغطاً على إسرائيل سابق لأوانه. فهو عاقد العزم على التصدي لمعالجة المسألة، ولا ريب في إرادته صنع فوق ما صنع بوش وكلينتون. والخلوص من هذا الى أن الإدارة الجديدة لن تتأخر في ضرب الطاولة بقبضتها، مبكر. فهي، إذا فعلت، بعثت مشكلات في علاقتها بإسرائيل، وفي علاقتها بالداخل الأميركي. * مدير مركز الشرق الأوسط في فريق «كرايزيس غروب» الدولي ومستشار بيل كلينتون سابقاً، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 19/5/2009، إعداد وضاح شرارة