القاهرة، الكويت – أ ف ب، رويترز، يو بي آي - باشرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون جولة دولية بهدف طمأنة الحلفاء الى أن واشنطن تبقى شريكاً يحظى بصدقية، على رغم تسريب موقع «ويكيليكس» برقيات ديبلوماسية أميركية ألحقت أضراراً بالعلاقات بين الجانبين، وهو ما يستبعد خبراء أميركيون استمراره لفترة طويلة، وتأثيره على الموقع الدولي للولايات المتحدة وأمنها القومي، «خصوصاً أن مضمونها ليس فائق السرية، ولا يثير جدلاً حول الخطوط العريضة للسياسة الأميركية، كما حصل في تسريبات أخرى مثل بنتاغون بيبرز حول الحرب على فيتنام». وغداة وصف البيت الأبيض مسؤولي «ويكيليكس» بأنهم «مجرمون انتهكوا القانون وباتوا يشكلون تهديداً خطراً لأولئك الذين يقودون ويساعدون سياستنا الخارجية»، وصلت كلينتون الى كازاخستان حيث ستلتقي نظراءها من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تضم 54 عضواً في قمة تعقد في كازاخستان، قبل أن تزور أوزبكستان والبحرين، حيث ستلقي على هامش منتدى سنوي خطاباً مهماً حول دور بلادها في الأمن الإقليمي. وقالت كلينتون: «أود أن أشدد للحلفاء على أهمية المحادثات الصريحة والمثمرة التي أجريناها حتى الآن، وعزمنا مواصلة عملنا الوثيق معهم»، مضيفة: «الواضح أن هذه المسألة تثير قلقاً كبيراً، لأننا لا نريد أن تتأثر أي دولة بهذه التسريبات المزعومة، وأن تشكك في نياتنا والتزاماتنا». وتابعت: «السياسة تصنع في واشنطن. وإنني مع الرئيس باراك أوباما واضحين جداً حيال أهدافنا في التعامل مع مجموعة واسعة من التحديات العالمية التي نواجهها، وسنواصل استغلال كل فرصة عمل مع أصدقائنا وشركائنا وحلفائنا في أنحاء العالم، في مقابل التعامل بطريقة حاسمة مع أولئك الذين نختلف معهم». وفي أول مواجهة للحدّ من الخسائر الناجمة عن كشف وثائق «ويكيليكس» والتي تلت تحذير واشنطن أكثر من عشر حكومات من مضمونها قبل نشرها، في محاولة لتطويق عواقب مضمونها، التقت كلينتون أول من أمس وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو. ووصفت كلينتون داود أوغلو بأنه «زميل وصديق» عملت معه في شكل وثيق في الشهور ال22 الأخيرة من عهد أوباما، مبدية ثقتها بأن الشراكات والعلاقات التي بنتها هذه الإدارة ستصمد أمام هذا التحدي». وأكد وزير الخارجية التركي لدى وقوف كلينتون الى جانبه أن بلاده تربطها «شراكة استراتيجية» بواشنطن، معلناً أن أنقرة «تتبع سياسة خارجية مبدئية ثبت على مر الوقت انها شفافة وبينها علاقاتنا مع الولاياتالمتحدة، وسنواصل هذه الخارجية لإرساء سلام إقليمي وشامل بالتنسيق مع الإدارة الأميركية». أما الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية فيليب كراولي فصرح بأن وزير الخارجية التركي قدّر التعليقات المباشرة والصريحة التي أدلت بها هيلاري كلينتون، ما جعل الاجتماع مثمراً جداً، خصوصاً أن أوغلو أعلن أن «تركيا ستواصل دعم وتشجيع إيران على التفاوض مع مجموعة الدول الست الكبرى في شأن برنامجها النووي». وكانت برقيات «ويكيليكس» وصفت أوغلو بأنه «لا يفقه الكثير في السياسة خارج حدود تركيا»، وأوردت أن «أحد مخبري الديبلوماسيين الأميركيين المعتمدين في أنقرة وصف وزير الخارجية التركي بأنه خطير للغاية، محذرة من تأثيره الإسلامي على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان». كما كشفت وثائق أخرى أن الديبلوماسيين الأميركيين لا يثقون بأردوغان الذي وصفوه بأنه «منعزل وغير محاط بمصادر تزوده معلومات جيدة». وأشارت الوثائق أيضاً الى أن الديبلوماسيين الأميركيين في أنقرة غير واثقين من استقرار حكومة أحد أهم حلفاء الولاياتالمتحدة. وكتب ديبلوماسيون في برقية مؤرخة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، أن واشنطن «تتساءل إذا كانت تستطيع الاعتماد بعد اليوم على تركيا لمساعدتها في احتواء تحدي إيران الكبير للسلام الإقليمي». تعقيدات المفاوضات وفيما ستبحث قمة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا التي تعقد في العاصمة الكازاخستانية استانة النزاع في أفغانستان، والاضطرابات الأخيرة، والسعي الى حل النزاع بين أرمينيا وأذربيجان حول ناغورني قره باخ، قال جيمس كولينز السفير الأميركي السابق الى موسكو إن التسريبات ستعقد قدرة واشنطن على القيام بمفاوضات متعددة الأطراف، لأن شركاء الولاياتالمتحدة أصبحوا يخشون أن تصبح التفاصيل علنية. وتحدثت برقية سرية أصدرتها السفارة الأميركية في استانة في 17 نيسان (أبريل) 2008 عن أسلوب حياة القادة الكازاخستانيين والنخبة، وأشارت الى انهم يستمتعون بالهوايات التقليدية مثل ركوب الخيل والتزلج، والى أن وزير الدفاع دانيال أحمدوف يفرط في تناول الكحول، فيما يحب رئيس الوزراء كريم ماسيموف الرقص. لكن رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس أعلن أن الربع مليون برقية التي تداولها «ويكيليكس» لم تأتِ بجديد في المواقف المعروفة من مسائل إقليمية ودولية، مثل القلق في منطقة الخليج من إيران واستكمال تسليح سورية ل «حزب الله» اللبناني، أو استشراء الفساد في أفغانستان ومخاوف الولاياتالمتحدة من وصول السلاح النووي الباكستاني الى أيدي إرهابيين، أو إجراء واشنطن مفاوضات سرية مع كوريا الجنوبية لطمأنة الصين في حال تغيير النظام في كوريا الشمالية. ويرى هاس أن التأثير سينحصر في المدى المنظور بأسلوب تعاطي ممثلي الحكومات مع الديبلوماسيين الأميركيين في الخارج، حتى استكمال البيت الأبيض مراجعة الإجراءات الموضوعة لحماية سرية البرقيات الديبلوماسية والمقرر أن تشديدها في المرحلة المقبلة، علماً أن اشتباه الإدارة بالضابط والمحلل الاستخباراتي برادلي مانينغ بتسريب الوثائق يعكس الآلية غير المعقدة لاطلاع مسؤولين برتب منخفضة على البرقيات. ويجري التحقيق مع مانينغ حالياً في سجن عسكري بقاعدة كوانتيكو في ولاية فيرجينيا. بدوره يرى الصحافي المخضرم بوب وودورد، عراب تسريبات «ووترغيت» التي أطاحت الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، وصاحب مؤلفات تفضح الجدل الداخلي في إدارات متعاقبة حول السياسة الخارجية، أن تسريبات ويكيليكس «لا تتضمن معلومات كثيرة جديدة، و «هي قليلة الخطورة على صعيد المضمون». ومنح وودورد في مقابلة مع محطة «سي أن أن» التسريبات نقطة 4 من 10 على صعيد الخطورة، وأكد أنها لا تثير جدلاً حول قضايا سياسية مصيرية، مثلما فعلت تسريبات «بنتاغون بيبرز» حول حرب فيتنام، بل تؤكد الخطوط العريضة المعلنة للسياسة الخارجية الأميركية مثل احتواء إيران، ومنع انتشار الأسلحة النووية، وملاحقة الإرهابيين. ويستبعد وودورد أثراً كبيراً للتسريبات على العلاقة بين واشنطن وحلفائها، ويعتبر أن المصالح الاستراتيجية الأبعد تتحكم بالعلاقة الثنائية بين هؤلاء. وبرزت مطالبة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ب «ملاحقة» المسؤولين عن تسريب وثائق «ويكيليكس» التي رأى أنها ألحقت أضراراً كثيرة. وقال: «أصبت بخيبة لدى علمي أن أشخاصاً لا يحترمون الاتفاق الذي وقعوه مع الحكومة بعدم كشف أسرار». وشدد على أن التسريبات التي تكشف تعليقات أو أحاديث ليست معدة لإعلانها، تقوض الثقة، و «هي أمر أساسي كي يتمكن قادة العالم من العمل معنا». أما المرشحة الجمهورية السابقة لمنصب نائبة الرئيس الأميركي سارة بايلن فانتقدت طريقة التعاطي مع الأزمة، وعدم تحركها بحزم أقوى وبالتنسيق مع دول الحلف الأطلسي (ناتو) لمنع نشر الوثائق. ودعت الى تجميد أصول أصحاب «ويكيليكس» والتعامل معهم بالطريقة نفسها التي تتعامل بها الإدارة مع عناصر تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان». حملة السفراء الأميركيين وفي موازاة جولة كلينتون، قللت مارغريت سكوبي السفيرة الأميركية في القاهرة من تأثير وثائق «ويكيليكس» على العلاقات المصرية – الأميركية، خصوصاً بعدما تحدثت برقية عن أن مكتب سكوبي زعم أن المسؤولين المصريين لا يفضلون مناقشة أوضاع الديموقراطية في بلادهم مع نظرائهم الأميركيين، وأخرى عن أن القاهرة لا تستمع لنصائح واشنطن. كما أشارت وثائق الى أن الرئيس المصري حسني مبارك يصف الإيرانيين ب «كاذبين»، ويمدح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، معتبراً انه لبق لكنه «لا يفي بوعوده». وقالت سكوبي: «ما أوردته الوثائق لا يمثل محددات السياسة الخارجية الأميركية»، معتبرة ان كشفها «يشكل مخاطر حقيقية لأناس». وأكدت أن الولاياتالمتحدة ومصر ظلوا شركاء في السعي نحو السلام في منطقة الشرق الأوسط، و«سيواصلان التركيز على الأهداف المشتركة». أما ديبورا جونز السفيرة الأميركية في الكويت، فأكدت وجود «شراكة متينة ومستقرة بين البلدين، مبنية على الثقة المتبادلة والقيم المشتركة»، مؤكدة أن بلادها «ستضمن أمن المراسلات الديبلوماسية، وستتخذ تدابير لحماية سريتها». وفي نيويورك، اعتبرت السفيرة الأميركية لدى الأممالمتحدة سوزان رايس أن اضطلاع الديبلوماسيين الأميركيين بدور «لا غنى عنه» من أجل الأمن القومي، مشددة على أن الماكينة الديبلوماسية الأميركية ستخرج «أقوى» من أزمة الوثائق. وقالت: «ديبلوماسيونا يخرجون ويعملون مع دول أخرى، مع شركاء هنا في الأممالمتحدة وعبر العالم لمواجهة التحديات العالمية الأكثر إلحاحاً وللدفاع عن المصالح الأميركية، وهم يقومون بذلك بموهبة وصدق كبيرين». ورفضت التعليق على معلومات عن أن وزارة الخارجية الأميركية طلبت من ديبلوماسييها إيجاد الرموز التي تتيح لهم الدخول الى شبكات الاتصال في الأممالمتحدة، إضافة الى أرقام بطاقات الائتمان لموظفي المنظمة الدولية وعناوينهم الإلكترونية وأرقام هواتفهم.