«أصيلة» و«غزال» و«ميا».. أسماء لا تزال في ذاكرة السعوديين، وارتبطت بحلم تصنيع السيارة السعودية الأولى في أكبر بلد مستورد للسيارات في العالم، لكن ذلك لم يشفع لها لتبصر النور على رغم مرور سنوات من وعود مسؤولين بقرب اقتحام السعودية عالم تصنيع السيارات، ولكنه تجدد مع توقيع مذكرة التفاهم مع شركة «تويوتا». لسنوات طويلة مُني السعوديون ب«خيبة أمل» في تصنيع سيارة وطنية تجوب شوارعهم، فبعدما تكرر خروج مسؤولين للإعلان عن قرب تصنيع سيارتهم الأولى، وعقد اتفاقات مع شركات عالمية عدة للتصنيع، مصحوبة بزخم إعلامي كبير، سرعان ما تبخرت الوعود في شكل مفاجئ. وعمت الفرحة كثير من السعوديين بعد تدشين السيارة الوطنية الأولى «غزال 1» في حضور الملك الراحل عبد الله بن عبدالعزيز في حزيران (يونيو) من العام 2010، بعدما كشفت جامعة الملك سعود عن تصنيعها السيارة في خبر تصدر وسائل الإعلام، وأعلنت آنذاك تسويقها في نهاية العام 2013، صاحبها إعلان الجامعة تأسيس أول شركة لتصنيع السيارات برأسمال 500 مليون دولار، وتكفل أحد المستثمرين بتغطية 55 في المئة من رأسمالها، موضحة أن سعرها سيكون بين 35 إلى 45 ألف ريال. بعد سنوات من الانتظار تساءل سعوديون «أين غزال؟»، ليأتيهم الرد من وزير التجارة والاستثمار السابق توفيق الربيعة في بداية العام 2014، أن «الجامعة لم تتقدم للحصول على ترخيص لتصنيع السيارة»، خرج بعدها أحد مسؤولي الجامعة، منهياً الجدل بأن «السيارة كانت مجرد مشروع بحثي طلابي.. وليس من مهمات الجامعة تصنيع السيارات». وتلقت الجامعة سيلاً من الانتقادات والاتهامات من سعوديين اعتبروا الغزال السعودي «كذبة كبرى» و«نموذجاً للفساد الإداري»، تساءلوا حينها عن مصير ملايين أُنفقت على المشروع، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عنه. ودعا الأمير الوليد بن طلال في خطاب رسمي وجهه إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة»، إلى التحقيق في «المشروع الوهمي» الذي اعتبره «صورة واضحة عن فساد إداري تعاني منه كثير من الأجهزة الحكومية في السعودية»، وكتب أن «رائحة الفساد فاحت ولم نر أي جهود للهيئة»، وكتب «آن الأوان للهيئة أن تقوم بواجبها في فضح الفساد المتفشي في بلادنا». ولحقت المركبة «أصيلة» ب«غزال»، إذ أعلن عنها في العام نفسه من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية باعتبارها «سيارة سعودية التصنيع بنسبة 100 في المئة» تحمل شعار «مهر»، وتزن أكثر من 1200 كيلوغرام، بمحرك اقتصادي، على ألا تتجاوز قيمتها 50 ألف ريال. وقدرت آنذاك كلفة إنتاج ألفين إلى 5 آلاف سيارة في السنة الواحدة ب60 مليون ريال، لكن المشروع تجمد بعدها. وما زال الغموض يلف مشروع السيارة «ميا» التي أُعلن عنها في نيسان (أبريل) 2014 في إطار شراكة سعودية - ماليزية لإنشاء مصنع للسيارات في مدينة الدمام باستثمارات 7.5 بليون ريال، وطاقة إنتاجية 300 ألف سيارة سنوياً، على أن يبدأ الإنتاج مطلع العام 2017 الحالي. وكشف آنذاك رئيس شركة شاهد العالمية للسيارات راشد عثمان أن أسعار «ميا» ستبدأ من 45 ألفا وتصل إلى 120 ألف ريال، بحسب ما ذكره موقع «إم بي سي». وثار كثير من الجدل في شأن المشروع بعدما غاب وزير التجارة عن حفلة إنشاء المصنع، وزاد الغموض إعلان الوزارة أن الشركة لم تحصل على ترخيص لها أو أي اعتماد، وأن الترخيص المبدئي هو للدراسات فقط، نافيةً تقديمها أي دعم له، وعلق آنذاك رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية - الماليزية لتطوير الصناعة القابضة راشد عثمان أن «الوزارة لديها تخوف من تجربة غزال». من جانب آخر، نجح مشروع إنشاء مصنع لإنتاج السيارات تابع لشركة «إيسوزو» في السعودية، بعدما وقع اتفاقاً لإنشاء مصنع متكامل لإنتاج سيارات وشاحنات النقل الخفيف والمتوسط والثقيل في المدينة الصناعية الثانية بالدمام في العام 2011، بدأ العمل فيه بعد عام، وينتج حالياً حوالى 1800 شاحنة متوسطة الحجم سنوياً. وأوردت كالات أنباء عالمية في نهاية العام 2012، وجود نوايا لشركة «جاغوار لاند روفر» البريطانية للسيارات في فتح مصنع لها في السعودية، بعدما اتجهت المملكة إلى بناء أكبر منشأة لصخر الألومنيوم في العالم الذي يستخدم بشكل واسع في صناعة السيارات. تجدد الحلم والقلق وتجدد حلم تصنيع السيارة السعودية بعد إعلان وزير المالية السابق إبراهيم العساف في آذار (مارس) 2015 قرب دخول المملكة مجال تصنيع السيارات بعد توقيع اتفاقات مع كوريا الجنوبية، لكن سعوديين أبدوا آنذاك مخاوفهم من أن تكون نسخة مكررة من دعاية «غزال» السابقة. وكشف رجل الأعمال السعودي عبدالرحمن الزامل العام الماضي، وجود طلبات من شركات أميركية، ويابانية، وكورية لبدء تصنيع السيارات في السعودية، طالب معها تقديم الدعم الحكومي لهذه الصناعة وتوطينها عبر حماية جمركية وأفضلية لها في الشراء حماية لها من الإغراق. دراسة سعودية - يابانية لتصنيع السيارات شهدت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى اليابان، توقيع البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية مع شركة «تويوتا» اليابانية، مذكرة تفاهم لدرس جدوى إطلاق أول مصنع لصناعة سيارات «تويوتا» وأجزائها في المملكة، وستشارك في الدراسة شركة عبد اللطيف جميل، بوصفها موزع «تويوتا» في السعودية. وتحتل «تويوتا» المركز الأول في مبيعات السيارات في أسواق المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، بمبيعات فاقت 500 ألف مركبة خلال العام 2016. وبلغ حجم استيراد المركبات في السعودية 77 بليون ريال، واستوردت في العام 2012 فقط أكثر من 980 ألف سيارة، وتعتبر المملكة مركز إعادة تصدير رئيس للسيارات وقطع الغيار في المنطقة، بصادرات بلغت قيمتها ستة بلايين ريال، في الوقت نفسه يوجد فيها أكثر من 251 مصنعاً عاملاً في مجال تجميع المركبات والصناعات الداعمة لها، باستثمارات تبلغ حوالى 7 بلايين ريال، توفر أكثر من 27 ألف وظيفة. وتباينت ردود فعل سعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي بعد إعلان شركة «تويوتا» عزمها دراسة جدوى إنشاء مصانع في السعودية، إذ أبدى بعضهم مخاوفهم من أن تلقى مصير «غزال 1»، وكتب حسين: «منذ عشر سنوات أسمع هذا الخبر أتمنى أن يكون صحيحاً»، وشاركه تيمور مخاوفه مغرداً: «أخشى يكون الموضوع مجرد دعاية»، فيما وصفها عزيز ب«الخطوة المتأخرة جداً كون السعودية من أكبر مستوردي منتجات تويوتا». فيما فرح بعض المغردين بالإعلان ورأوا فيه «فرصة لكسر الاحتكار وتوطين صناعة تويوتا والتخلص من جشع وكلاء الشركات»، إلا أن إحدى المغردات طالبت بتوظيف السعوديين في تلك المصانع. وغرد فارس رافضاً الفكرة وكتب «مرحباً بالتلوث البيئي، العالم كله يحاول التخلص من التلوث نحن نستقبله»، في حين كتب حسين سالمين: «إنشاء المصنع صعب في المملكة لأن البيئة الاستثمارية غير واضحة وغير مشجعة».