لم يرد اسم المفكر غسان سلامة في القائمة النهائية لأسماء المرشحين التسعة إلى منصب الأمانة العامة لمنظمة اليونسكو كما أعلنها رسمياً أول من أمس رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو، مايكل واربس، ما يعني أنه انسحب من المعركة بصمت. وانسحابه ليس خسارة شخصية له مقدار ما هو خسارة للبنان وللثقافة اللبنانية أولاً وللثقافة العربية ولمنظمة اليونسكو تالياً، ولا مبالغة هنا، فهذا المفكر الحاضر بقوة في الساحة الدولية ثقافياً وديبلوماسياً وأكاديمياً كان من الجديرين بحق لمنصب الأمانة العامة وفي المرحلة الراهنة تحديدًا وكان يحمل مشروعاً تحديثياً قائماً على رؤية علمية شاملة. طبعاً مثل هذا الكلام لا يهدف إلى التقليل من شأن المرشحين التسعة ومن بينهم أسماء معروفة، لكن سلامة الذي رحبت بفكرة ترشحه دول أوروبية عدة والذي كان يحظى بتقدير دول عربية، كان ليملأ هذا المنصب ويحدث في المنظمة الدولية ثورة بعد حال الركود الذي أصابها في العقد الأخير وحال دون أداء دورها الثقافي والتنموي الملقى عليها. اما الأسماء الأجنبية التي تتسابق على المنصب فهي: أودريه أزولاي (فرنسا)، فولاد بلبل أوغلو(أذربيجان)، فام سان شاو(فيتنام)، كيان تانغ (الصين)، جوان ألفونسو فونتسوريا (غواتيمالا)، اما المرشحون العرب فهم اربعة: القطري حمد بن عبد العزيز الكواري، المصرية مشيرة خطاب، العراقي صالح الحسناوي واللبنانية فيرا خوري لاكويه. وعربياً قد يكون الكواري الأوفر حظاً فهو ينال دعماً من مجلس التعاون الخليجي ومن دول عربية وأفريقية وغربية. وكان الكواري يردد ان المنافس الوحيد الذي يعترضه في معركته هو سلامة فهو يدرك قيمته وحجم الاستقطاب الدولي الذي يحوزه. وبدا ملاحظاً أن الكواري ينشط على اكثر من مستوى، ديبلوماسيًا وثقافيًا، مدعوماً بقوة من دولته ودول التعاون. أما انسحاب سلامة أو عدم مواصلة ترشحه بعدما أعلن استعداده لخوض معركة اليونسكو في لقاءات إعلامية وعرض بعضاً من مقوّمات مشروعه، فكان له صدى في أوساط المثقفين اللبنانيين الذين كانوا رفعوا بياناً مهماً بمبادرة من «لوريان ليتيرير» دعموا فيه سلامة في هذه المعركة وحضوا الدولة اللبنانية على تبني ترشحه رسميًا والتراجع عن ترشيح المنافسة المجهولة فيرا خوري لاكويه. بدا هذا الانسحاب بمثابة صدمة في الأوساط الثقافية في لبنان فوصول سلامة الى هذا المنصب يرد بعضاً من الاعتبار للبنان ولثقافته عالمياً، علاوة على الدور الذي كان سيؤديه سلامة على مستوى الأزمات العميقة التي يشهدها العالم، ومنها التردي الاقتصادي، مشكلة المهاجرين، الحروب الإهلية والخارجية، صعود الأصوليات والأنظمة الاستبدادية، تفشّي أعمال العنف والإرهاب، تدمير المواقع الأثرية، تعاظم الأخطار البيئية... وفي رأي سلامة كما عبر مراراً أن مثل هذه العوامل تدعو إلى الخشية من أسوأ الكوارث وأشنع أنواع الانغلاق على الذات ورفض الآخر، في زمن لا يَعرِف فيه التقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي حدوداً. وكم كان مصيباً البيان الذي كان رفعه عدد كبير من المثقفين اللبنانيين دعماً لترشيح سلامة، فهو مرشّح يمثل اللبنانيين جميعاً، ويجمع بين الانتماء إلى أصوله والانفتاح على الآخر، ويملك معرفة عميقة بالعالم العربي ومشاكله، وترشحه يمثل فرصة للرهان على أهمية الثقافة والعلم والتربية للتوفيق بين أطراف متصارعين في عالم شديد التعقيد، تنهشه النزاعات وهو على وشك انفجار قد يطيح التعددية والقيم الإنسانية وإمكانات الحوار. لكن الدولة اللبنانية لم تأخذ برأي المثقفين وأصرّت على ترشيح فيرا خوري التي كان وزير الخارجية جبران باسيل هو السباق إلى طرح اسمها ودعمها غير مبال بما يسمى أصولاً ثقافية ومعرفية. وفي مثل هذه المبادرة المتسرعة وغير المدروسة خسر لبنان فرصة مهمة كانت مواتية لرفع اسمه ثقافياً وعالمياً، فعدم ترشيح سلامة سيعيق اصلاً وصول أي مرشح لبناني آخر إلى المنصب. وفي حيثيات نظام اليونسكو أن ترشيح المدير العام يتم عبر المجلس التنفيذي، ويتولّى المؤتمر العام مهمّة تعيينه لفترة أربع سنوات. وسيتم الاستماع إلى المرشّحين التسعة للمنصب خلال الجلسة الحادية بعد المئتين للمجلس التنفيذي يومي الأربعاء والخميس 26 و 27 نيسان(أبريل) 2017. ويتم اختيار الشخص الذي سيرشّحه المجلس التنفيذي من طريق الاقتراع السري خلال تصويت يجري تنظيمه أثناء الجلسة الثانية بعد المئتين للمجلس والتي ستعقد في تشرين الأول (أكتوبر) 2017. ثم يتولّى رئيس المجلس التنفيذي مهمّة إعلام المؤتمر العام خلال دورته التاسعة والثلاثين والتي ستعقد في تشرين الثاني(نوفمبر) 2017 باسم المرشّح الذي اختاره المجلس. ويجب على المؤتمر العام النظر في هذا الترشيح ومن ثمّ انتخاب الشخص الذي يقترحه المجلس التنفيذي، من طريق الاقتراع السري أيضاً.