أمام لجنة انتخابية في حي الساحل (شمال القاهرة) يطوّقها عشرات من رجال الأمن، بعضهم بزيه الرسمي وآخرون بملابس مدنية، تتوقف شاحنة صغيرة على ظهرها نحو 10 بلطجية يلوحون بأسلحة بيضاء وعصي، وهم يهتفون باسم مرشح من الحزب الوطني الحاكم استأجرهم. تتحرك الشاحنة من أمام اللجنة فتتبعها أخرى بعد بضع دقائق، تقل مجموعة مشابهة تهتف باسم مرشح آخر، هذه المرة من حزب معارض. ويتكرر عرض القوة هذا أمام لجان الدائرة، الواحدة تلو الأخرى. وبين عرضي مجموعتي البلطجية، تتوقف ثلاث حافلات ركاب صغيرة تقل عشرات الناخبين رقيقي الحال، يقودهم مندوبو مرشح «الإخوان المسلمين» إلى بوابة اللجنة، حيث يسمح الأمن لبعضهم بالدخول ويمنع آخرين. وشكت حملة مرشح «الإخوان» من منع الأمن مندوبيها من دخول بعض اللجان، على رغم حصولهم على وكالات قانونية من المرشح. وأكد أحد مسؤولي الحملة ل «الحياة» أن «هناك تضييقاً على الإخوان. رفضوا دخولنا لجنة بعينها لأنها لجنة لتصويت الأموات والمهاجرين... هناك تلاعب كبير ومحاولات لاستمالة رؤساء اللجان للتزوير والتلاعب، لكن الأمن لم يتدخل». وتقول أم إبراهيم، وهي ناخبة من منطقة فقيرة في الحي كانت بين المجموعة التي يقودها مندوبو مرشح «الإخوان»: «أصدروا لي بطاقة انتخابية أمس، بعدما اتصلت بي إحدى معارفي وقالت إن الرجل (المرشح) رجل خير، تجمعنا عند الجامع، ومن هناك ركبنا الميكروباص». وأضافت ل «الحياة» وهي تبتعد بعد أن عنفتها إحدى رفيقاتها: «هذا موسم رزق لنا، وربنا يولي من يصلح». وبخلاف المجموعات التي يقودها مندوبو المرشحين، على اختلاف اتجاهاتهم، تحلق أمام اللجان سماسرة بيع الأصوات الذين حشد أحدهم على مقربة منه نحو 20 من سكان منطقته وانخرط في مساومة على أصواتهم مع مندوب أحد المرشحين، قبل أن يعرض أسعاره على «الحياة»: 150 جنيهاً للصوت (نحو 30 دولاراً). وفي محيط اللجان، لا يكاد يتوقف ضجيج مكبرات الصوت التي تحض الناخبين على التصويت لمرشح بعينه، فيما يوزع عشرات الصبية والشبان نشرات دعائية ويرددون الرموز الانتخابية لمرشحيهم على مسامع الناخبين والمارة، بالمخالفة للقانون الذي يلزم المرشحين بوقف الدعاية قبل موعد الاقتراع بيوم. لكن هذا الزخم خارج أسوار اللجان الانتخابية، لم يقابله نشاط داخلها، فبعد خمس ساعات من فتح باب الاقتراع، كان متوسط عدد البطاقات في الصناديق الشفافة في 12 لجنة انتخابية زارتها «الحياة» لا يتجاوز عدد أصابع اليدين، على رغم أن الصندوق مخصص لنحو ألف ناخب. وفي أروقة المدارس التي تحولت لجان اقتراع، كان بعض مندوبي المرشحين، من مختلف الاتجاهات يحاولون استمالة الناخبين، إما عبر تذكيرهم بأن «لا تكتموا الشهادة»، أو التلويح بأن مرشحهم «يقدر محبيه جيداً». وقال صلاح علي بعدما أدلى بصوته: «جئت هنا من دون بطاقة انتخابية، فعرض علي مندوب مرشح 100 جنيه واستخرج لي بطاقة فوراً. أعطيت صوتي لمرشحه، وخرجت من الموضوع بمصلحة... لا فرق بين فلان وعلان، وهذه الفرصة الوحيدة للاستفادة منهم».