انطلقت أمس في آستانة الجولة الثالثة من المفاوضات السورية، بغياب الفصائل المسلحة. ونددت موسكو بالأسباب «غير المقنعة» للمقاطعة، وتحدثت عن «وضع معقّد للغاية وسط خلافات»، لكنها أعلنت مواصلة الاتصالات مع قادة الفصائل في مسعى لإنقاذ المفاوضات. وأفشل امتناع «الجبهة الجنوبية» عن الحضور رهانات على إنجاح جولة المفاوضات رغم مقاطعة الفصائل التي شاركت في الجولتين الماضيتين. وكانت الخارجية الكازاخية رجّحت انضمام ممثلي «الجبهة الجنوبية» أمس، قبل أن تعلن عن تراجعهم عن قرار المشاركة في المفاوضات. ونددت موسكو بالمقاطعة التي هيمنت على انطلاق الجولة الجديدة، وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف إن أسباب رفض المعارضة المشاركة «غير مقنعة»، مضيفاً أن «التذرّع بالانتهاكات لا يمكن أن يكون سبباً لعدم المشاركة في مفاوضات لأن انتهاكات رافقت كل المراحل منذ وقف النار» نهاية العام الماضي. وزاد أن الوضع العام في سورية أفضل بكثير بالمقارنة بفترات سابقة. لكن لافروف أكد، في الوقت ذاته، أن وزارة الدفاع الروسية تجري اتصالات مع قادة الفصائل المسلحة، ملمحاً إلى احتمال مشاركتهم في وقت لاحق، خصوصاً مع إعلان الاستعداد عن تمديد المفاوضات إذا دعت الحاجة. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن «الوضع معقد للغاية، والمفاوضات ليست سهلة. وثمة خلافات كثيرة بين الدول المشاركة». وكانت المعارضة بررت موقفها بتطورات الوضع في منطقة حي الوعر غرب حمص، الذي يعد آخر معقل للمعارضة في المدينة، بعد اتفاق رعته روسيا لإجلاء المقاتلين منه. ونقلت وكالة «نوفوستي» الرسمية الروسية عن الناطق باسم فصائل المعارضة أسامة أبو زيد أن القرار النهائي بالمقاطعة اتخذ «نتيجة تقاعس روسيا عن إنهاء انتهاكات واسعة النطاق لاتفاق وقف النار، الذي تم التوصل إليه بوساطة تركية وروسية». وأشار إلى «استمرار جرائم روسيا» بحق المدنيين. وأضاف أن المعارضة أبلغت تركيا بقرارها. أما كبير المفاوضين عن الفصائل محمد علوش فقال إن قرار المقاطعة اتخذ «لنثبت أن روسيا تريد حلاً سياسياً عبر الإعلام فقط» ... عليهم أن يغيروا سياستهم إن كانوا يبحثون عن الحل». وأضاف علوش في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه في «تويتر»، إن قرار عدم حضور «آستانة 3» جاء بسبب «تهجير» حي الوعر في حمص بإشراف روسي، واستمرار نهج الهدن والمصالحات، واستمرار القصف والهجوم على الغوطة الشرقية وبرزة والقابون، وتهجير وادي بردى، و «عدم الإفراج عن المعتقلات والمعتقلين من سجون النظام»، وفق ما أورد موقع «كلنا شركاء». وشرح سبب مشاركة الفصائل في الجولات السابقة قائلاً: «ذهبنا ولم نوقف القتال ساعة، ولتخفيف القتل على المدنيين وإخراج المعتقلات والمعتقلين، ولم نتنازل عن الثوابت». وحمّل رئيس الوفد الحكومي السفير بشار الجعفري أنقرة المسؤولية عن مقاطعة المعارضة. وقال إن «وفد الجمهورية العربية السورية لم يأت أصلاً ليلتقي الفصائل المسلحة بل أتينا لنلتقي بضامنين اثنين هما إيرانوروسيا». وأكد أن لقاءه مع الوفد الروسي في آستانة كان جيداً، موضحاً أن الجانبين بحثا جدول أعمال «آستانة-3» والوضع في سورية والمنطقة. واعتبر أن عدم حضور الفصائل المسلحة «يخدم وجهة نظر الحكومة السورية ويظهر العورة السياسية لهذه المجموعات المسلحة التي هي بالأساس غير مستقلة برأيها»، داعياً الى تحميل تركيا المسؤولية عن غياب المعارضة. وقال إن موضوع فصل المعارضة عن الإرهابيين سيتصدر المفاوضات. وخيّم غياب المعارضة على اللقاءات الاستشارية التي أجريت أمس على مستوى ثنائي بين وفود البلدان الضامنة مع وفد الأممالمتحدة الذي ضم في هذه الجولة خبراء أمميين في نزع الألغام. وقالت مصادر ديبلوماسية في آستانة إن وثيقة أعدتها روسيا ستطرح اليوم للنقاش حول تعاون البلدان الضامنة مع الأممالمتحدة في مشروع لنزع الألغام في تدمر (وسط سورية) على أن ينتقل هذا الجهد إلى مناطق أخرى في سورية في وقت لاحق. كما بات متوقعاً أن يتم الإعلان عن تشكيل آلية لتبادل الأسرى والمعتقلين تشتمل على تشكيل مجموعة عمل خاصة في هذا الشأن، لكن لم يعرف مستوى تمثيل المعارضة فيها. وكان ينتظر أن تناقش الجولة التفاوضية الثالثة وضع خريطة توزع القوات ونقاط التماس بهدف تحديد المناطق التي لا يشملها قرار وقف النار. وأعلن رئيس الوفد الروسي ألكسندر لافرينتيف أن الجانب الروسي سلّم اقتراحاته الخاصة بوضع دستور سوري على هامش الجولة الحالية من المفاوضات السورية. وقال لافرينتيف إن الاقتراحات تتعلق بإنشاء لجنة دستورية تتألف من 30 شخصاً، عشرة من الحكومة وعشرة من المعارضة وعشر شخصيات اعتبارية يتم التوافق عليها بين الطرفين. وأعرب عن أمل بأن هذا الاقتراح سيكون مطروحاً في جولة المفاوضات المقبلة في جنيف. وأكد أن «عملية آستانة جارية وتحرز تقدماً، ولا أريد أن أتحدث عن أي خطر حول إفشال المفاوضات. لدينا ما نفعله هنا. هناك مسائل عديدة تتعلق بنظام وقف القتال وغيره من مسائل التسوية السورية». وقال إن العمل على كثير من الوثائق جار في شكل فعال رغم غياب المعارضة، التي قال إنها «لم تنتهز الفرصة لعرض موقفها في شكل بناء». وأكد رئيس الوفد الروسي أن إحدى المسائل المهمة المطروحة في الجولة الحالية تتمثل في تحديد مواقع تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» الإرهابيين في شكل دقيق، مشيراً إلى أن «الإيرانيين والأردنيين يؤيدون موقف موسكو في هذا المجال».