استسلمت منى وقريباتها لوقع الموسيقى الشرقية المنبعثة من المسجل، وكلما تسارع الإيقاع ازدادت حماستهن في الرقص حتى فقدن الاتصال بمن حولهن. ولم يعد بالإمكان إعادتهن إلى حالة الاستكانة والهدوء إلى أن سمعت منى صوت والدها المتجهم من خلف الباب، فأوقفت الموسيقى ليخيم الهدوء على أجواء الغرفة مجدداً. لم يكن حضور الأب متوقعاً لذا جمعت منى (25 سنة) بنات أعمامها اللواتي يسكن إلى جوارها ليشاركنها رغبتها في الرقص، وما كانت لتقدم على ذلك إلا بعد أن تأكدت من أن غياب والدها عن المنزل سيطول. وتقول: «لا جرأة لي على الرقص في حضور أبي لأنه ببساطة يعتقد أن الرقص عيب وسلوك مشين». وفيما الفتيات يتراقصن كان الباب غير محكم الإقفال، فعرف الأب سريعاً بما يحدث ولم يُعجِبَه ما رأى. وتتابع منى قائلة: «والدي لا يعترض بتاتاًً على رقصنا في الأعراس العائلية، وفي الأيام التي تسبقها، لكن الرقص يُصبح غير مقبول في الأيام العادية». الدعوة التي وجهتها منى الى قريباتها كانت بقصد أن يشاركنها ما تهوى ممارسته بين الفينة والأخرى، وهو غير ممكن خارج نطاق الأعراس أو غرف المنزل. وتقول: «أشعر بكآبة وضغط نفسي وليس ما يخرجني من هذه الحالة إلا الرقص». ويسود اعتقاد لدى الفتيات بأن الرقص يخلصهن من الطاقة السلبية، فالإيقاع السريع الصاخب يأخذهن بعيداً من ضغوط الحياة فيستسلمن للموسيقى ولا يتوقفن إلا بعد أن يرهقهن التعب. وتقول سهى (22 سنة): «لم أرقص منذ 6 أشهر كان حينها عرس أخي». وتذكر أنها لم تتوقف عن الرقص طيلة الحفلة التي استمرت ساعتين، وتقول: «نحن الفتيات نستغل الحفلات لممارسة الرقص لأنه لن يكون محط انتقاد واستهجان من قبل الأهل والمجتمع». وتوضح أن المرأة تطاولها السمعة السيئة إن علم الآخرون وبخاصة الرجال أنها تحب الرقص، حتى أن أفراد عائلتها من الذكور لا يتقبلون رقصها في المنزل إن مارستهُ في غير أيام الحفلات. وتكاد سهى تجزم أن «الفتيات يتحضرن جيداً للحفلات، فما سيرتدينه ينبغي أن يزيد حسنهن وهن يرقصن». ولا تخفي سهى أنها تتدرب على رقصات وحركات تبتكرها قبل كل حفلة، وأحياناً تتسمر أمام التلفاز للبحث عن مقاطع راقصة في أحد الفيديو كليبات. الخطاب يعزفون عمن تحب الرقص وما ترفضه سهى هو العادات والتقاليد التي تحكم سلوك غالبية العائلات الأردنية، ونبذ رقص الفتاة من دون مناسبة حتى أمام أشقائها. وتقول: «المجتمع ينظر للمرأة الهاوية للرقص على انه يقلل من احترامها ويحط من شأنها». وتضيف: «الرجل الشرقي يتابع بشغف بعض المحطات التي تعرض الرقص الشرقي، إلا انه لا يسمح لزوجته بالرقص خارج المنزل». ولو حضرت حفلة لأحد أفراد أسرتها فان الزوج يتحفظ عن أسلوب الرقص وغالباً ما يشترط ألا تتعدى رقصتها تحريك يديها يمنة ويسرى». فيما تذهب راميه (28 سنة) إلى أن بعض الخُطّاب قد يرفضون الارتباط بفتيات لمجرد أن يصل إلى مسامعهم أن الخطيبة سبق أن رقصت في مناسبات غير عائلية. وتؤكد: «ممارسة الرقص تعد عيباً من وجهة نظرهم وتسيء إلى سمعة الفتاة. فقبل أسابيع ذهبت ومجموعة من صديقاتي في رحلة سياحية، وكان في الحافلة سياح من بلدنا راحوا يرمقون أية فتاة ترقص أو حتى تتمايل مع الموسيقى». يؤكد محمد (29 سنة) وجهة النظر هذه، ويقول: «ليس مسموحاً للفتاة في مجتمعنا أن ترقص أمام الغرباء، إن أرادت ففي غرفتها أو بيتها». ولا يذكر محمد انه راقص شقيقته في المنزل، إذ تقتصر مشاركته لها على الرقص في حفلات الزواج العائلية. واللافت أنه يعتقد أن اعتذار إحدى شقيقاته حينها عن الرقص غير مسموح ومنتقد، إذ يصبح واجباً عليها وعدم مشاركتها تعني بأنها لم تفرح لفرح أخيها. وفي المجتمع الأردني الذي يعد محافظاً الى حد بعيد خصوصاً في المناطق البعيدة من العاصمة، فان الفتاة المحجبة تعاب وبشدة إن شاركت رفيقاتها غير المحجبات بحماستهن في الرقص أو تمايلت معهن. يقول اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي إن المجتمع الأردني يرفض الرقص إلا في الحفلات الضيقة والتي تكون على نطاق عائلي، مؤكداً أن غالبية الفتيات إن أردن الرقص فيمارسنه في الخفاء. ويشير إلى أن المجتمع يعتبره فعلاً مشيناً وعيباً، وأن المرأة عندما ترقص فهي تحط من شأنها لأنها تثير الغرائز. ويلفت خزاعي إلى أن المجتمعات المجاورة مثل مصر وسورية ولبنان تنظر الى الرقص على انه مجرد نوع من الترفيه تطلبه النفس الإنسانية لتتخلص من ضغوطها، لكن الموروثات الخاطئة النابعة من التنشئة الاجتماعية هي التي تطلق أحكاماً أخلاقية على الرقص. ويؤكد أن النفس تهوى الرقص لأن فيه ترفيهاً عنها ولأنه علاج نفسي ينقل الراقص من حال الاكتئاب إلى حال فرح يتناسى فيها همومه ويفرغ خلالها طاقاته السلبية. ويثير خزاعي الى أن الفتاة تتعرض سمعتها للخدش إن علم الآخرون بأنها تمارس الرقص خارج المنزل وإن كان بطريقة غير مبتذلة فيما يصبح المجتمع أكثر تقبلاً له في الحفلات العائلية. ومن تعتذر عن عدم الرقص في تلك الحفلات يطلق عليها وصف «الحزينة» التي لا تشارك أفراد عائلتها فرحتهم!